الثلاثاء 2016-04-12 22:53:41 كــتب
كتاب.. عن تحولات شجرة الزيزفون.. والرواية التي تُبنى على العمل التشكيلي

على مدى الإبداع بقيت مسألة الحسم في الأنواع الإبداعية، يشوبها الالتباس، فنادراً ما ينجو إبداع ما؛ من علاقات «القربى» مع الأنواع الإبداعية الأخرى، قد تقترب أو تبتعد، أو حتى تتماهى لدرجة يستحيل الفصل والتحديد،

‏‏من هنا ثمة من تحدث طويلاً عن مسألة «الكتابة عبر النوعية» على سبيل المثال، ويقصد بذلك الكتابة دون الإعتراف بجنس الإبداع، ورغم أنّ الدعوة للكتابة عبر النوعية قديمة بعض الشيء تنشط في أزمنة وتخبو في أخرى، مع ذلك لايزال البعض يرى أنّ ثمة مشروعية في استمرارها في ظل انقراض واندثار بعض الأنواع في الكتابة بحيث يستحيل للنوع الواحد أن يقوم بالمهمة الإبداعية بمفرده، دون الاتكاء على الأنواع الأخرى..‏

ومناسبة هذه التوطئة كتاب «تحولات شجرة الزيزفون الضائعة - عن الرواية والفن التشكيلي» الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورة للكتاب - وزارة الثقافة، للشاعر ثائر زين الدين.‏

وفي هذا الكتاب يتناول الباحث بالدراسة ما يُقارب من اثنتي عشرة رواية قامت ببنائها السردي على إيحاء من عمل تشكيلي، وذلك في فصلين من البحث، في الفصل الأول تناول بعض الروايات التي كان العمل التشكيلي قادم من خارج النص السردي، أي على أعمال فنية لفنانين معروفين، وفي الفصل الثاني، حيث الروايات، أو النص السردي الذي يخلق عمله التشكيلي، أي إن الروائي هنا، هو من يقوم بخلق العمل التشكيلي ضمن سياق سرد الرواية.‏

لكن الملفت، وأنت تُقلب صفحات «تحولات شجرة الزيزفون الضائعة» الذي يبحث من خلاله الأديب زين الدين فعالية اللوحة التشكيلية في السرد الروائي، فإن أول ما ينتاب المتلقي ريبتان؛ فمن بين هذه الروايات التي تناولها الباحث مجالاً لدراسته، كانت جميعها روايات غير عربية، إلا واحدة، ومن هنا كان السؤال، هل الباحث لم يجد في فضاء السرد العربي ما يُغني دراسته، وإذا ما كان الجواب إيجاباً؛ هنا أيضاً تنتابنا الريبة التالية؛ وذلك في هذه الحالة «الانعزالية» للمبدعين السوريين والعرب، ومن ثم ضعف التفاعل فيما بينهم، مع أن الإبداع على تنوعه يُفترض أن يتسرب بين المبدعين، تماماً كما ينابيع الأرض التي تتلاقى في أحواض مائية ما، واحدة بعد مدى من جريان.‏

أو أن الباحث لم تُغريه تلك الأعمال الروائية في فضاء السرد العربي لتكون مجالاً لدراسته، ومن هنا كان أن اكتفى بالأعمال الوافدة من خلف المحيطات لتقدم جواباً لأسئلته، ذلك أن الباحث يُعدد في مكانٍ ما من كتابه؛ أكثر من مثال لرواية عربية تقاربت مع الأعمال التشكيلية في أكثر من مفصل من مفاصل سردها، مثال ذلك - لا الحصر كما يذكر - رواية «صُراخ في ليلٍ طويل» لجبرا إبراهيم جبرا، وثلاثية أحلام مستغانمي، التي يؤدي دور البطولة فيها الفنان التشكيلي «خالد طوبال» وفي «العدامة» لتركي الحمد، كما في «لم أعد أبكي» لزينب حفني، و«مذكرات امرأة واقعية» لسحر خليفة، وكذلك في «المساء الأخير» لمحمد رضوان، و سواها؛ عدد قد لايكون قليلاً من الروايات العربية - كما يُضيف - غير أنها على ما يبدو - لم تكن في دائرة إغراء الدراسة، دون أن يُقدم لذلك أسباباً، ومن ثم كانت الدراسة أن اتجهت صوب أعمال روائية أجنبية، لكن معظمها، أو كلها وجدت من جعلها بلسانٍ عربي، بعد ترجمتها في مختلف بلاد العالم العربي.‏

وبالعودة لدراسة زين الدين، وهي دراسة جديدة في كل الأحوال التي تتناول هذين الفضاءين الإبداعيين (التشكيل والرواية) يضعنا الباحث - كما يوضح - أمام عملٍ روائي لا تشغله هموم التاريخ إلا قليلاً، لكنه يُعلي من شأن الصنعة الفنية وجدارة التخييل، وهنا يأتي الاستلهام جزءاً لايتجزأ من بنية العمل، ورافداً لاتكتمل الرواية إلا به، وهنا - وهو الأهم - فليس القصد من الدراسة تلك الروايات التي تدور حول فنان تشكيلي، أو تُناقش موضوع أو قضية فنية، لكن الدراسة عنت استخدام الفن التشكيلي بصورة عميقة ضمن بناء العمل الروائي.‏

ولعلّ من أبرز هذه الروايات التي تناولها البحث، روايتي الكاتب البيروفي الشهير ماريو بارغاس يوسا «امتداح الخالة ودفاتر دون رغوبيرتو» في الرواية الأولى، التي وجدها الباحث؛ أننا أمام رواية متوسطة الحجم تبني عالماً خاصاً إلى حدٍّ بعيد، الحب الجسدي هو مكونه الأول، وتنهض بهذه المهمة «ست لوحات تشكيلية «تفتح أبواب السرد على مصاريعها وتقوده إلى غاياته المنشودة، وتكشف الدراسة إن يوسا اعترف ذات حين، إن فكرة الرواية اقترحها ناشر عليه وعلى رسام آخر، في أن يؤلفا معاً الرواية، بحيث يُقدم الرسام لوحات يعتمد يوسا عليها في سرد قصص الرواية وأحداثها، في هذين العملين لا يبقى العمل التشكيلي على حاله حين يدخل المتن السردي؛ ذلك أنه يخضع لعملية تمثّل وإعادة إنتاج، أو لحالة تحويل إبداعي تتحكم بها عوامل عديدة، إنها عملية تحويل إبداعي تخضع لها اللوحة حين تدخل فضاء الرواية، ويذكر الباحث: إنه ليس مهماً في هذه الحالة أن تصبح اللوحة أكثر جمالاً أو أقل جمالاً، بل المهم هو توظيفها بشكلٍ خلاق ومفيد للفضاء الجديد الذي أصبحت أحد مكوناته.‏

أما رواية «خضراء كالجبال» للأديب السوري الراحل هاني الراهب، والتي يتخذها الباحث كمثال للعمل الروائي الذي يخلق أعماله التشكيلية؛ فهي رواية حب في المقام الأول، حب غريب يندلع بين فنان تشكيلي كهل وامراة متزوجة، حيث تصبح اللوحة أداة ووسيلة للتعبير عمّا تعجز عنه المفردات عن وصفه من مشاعر الحب.. وتأتي اللوحات الفنية والتماثيل في هذه الرواية كمخلوقات أبدعها النص، بحيث تصير اللوحة معادلاً فنياً للحياة نفسها.‏ 

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024