الأربعاء 2016-03-23 21:21:49 نحاتون
تشكيل...الانتماء.. متراس الروح..النحات عبد السلام قطرميز..أرى نفسي في معالجة السطوح المتناغمة

قدم النحات الفنان عبد السلام قطرميز على مدى أكثر من نصف قرن، مجموعة متنوعة من أعماله (منحوتات ونصب فراغية،

‏‏

ولوحات جدارية - رولييف ) مرتكزة على أسس أكاديمية وواقعية أو بخلاف ذلك متصاعدة من وتيرة البحث عن تكاوين تعبيرية وتكعيبية وتجريدية ورمزية.‏

وهو في معظم منحوتاته الحديثة، يعتبر العمل التشكيلي النحتي نقطة تواصل مع ثقافة فنون العصر، ومع ذلك لا يقيد نفسه باتجاه معين أو بمدرسة محددة. وهذا التنوع لايزال يلازمه عبر وسائل وتقنيات متنوعة.‏

وهذا يعني أن طريقة معالجة المنحوتة عنده، تخضع لاعتبارات ذاتية خاصة، وهذا الأثر يبدو بشكل واضح في الضربات أو اللمسات العفوية، التي تجعل سطح المنحوتة تعكس تأثيرات السطوح المتنوعة في حساسياتها وطرق معالجتها وتقنياتها.‏

‏‏

وحين نتحدث عن الجوانب الهندسية، يكون في حسابنا أن الشكل الهندسي الذي يعالج به الجسد الإنساني أحياناً، يخرج عن الهندسة الرياضية الدقيقة، كونه يتردد كبناء تعبيري حديث، لا يبقى في حدود الصياغة الباردة، إنما يتخطى ذلك إلى التشكيل النحتي المعبّر عن حرية البناء المتجدد.‏

لتسليط الضوء على تجارب النحات عبد السلام قطرميز، وتحولاتها التقنية والتشكيلية، التقيته وكان الحوار التالي:‏

• كنت من بين الدفعة الأولى التي تخرجت من محترفات كلية الفنون الجميلة - قسم النحت عام 1964، كيف كانت منحوتاتك قبل وبعد مرحلة الدراسة الاكاديمية، وماذا عن مشروع تخرجك؟‏

•• في مرحلة ما قبل الأكاديمية، كنت أمارس العمل الفني من خلال قيامي بمساعدة والدي رحمه الله في أعمال البناء، حيث كنت أتجه لممارسة هوايتي في تزيين واجهة البناء ببعض الرسوم والمنحوتات النافرة، كشكل النمر السوري مثلاً، وتصنيع بعض النماذج وتنفيذ قالب لها لتزيين سور البناء.‏

ومن خلال دراستي في كلية الفنون الجميلة للنحت تتوج عملي لمشروع التخرج عام 1964 متخذاً موضوعاً اجتماعياً تجسيداً لمعاناة الفلاحين بموضوع (موسم القمح) فقد أبرزت أغلب مراحل زراعة القمح حتى حصاده في الفلاح، الذي يكل ويتعب مع المحراث والثور لحراثة الأرض ثم الحصاد والبيدر ودراسة القمح وجني المحصول وفرحة الفلاح وزوجته وعائلته في نهاية الموسم. وتوجد لي لوحة جدارية للنحت النافر في نقابة المهندسين الزراعيين في دمشق، تجسد موسم القمح، ولوحة في المتحف الوطني تجسد الفلاح مع المحراث والثور، ومن ضمن أعمالي رأس لفلاح منحوت بمادة (البازلت) والعمل موجود في كلية الفنون الجميلة بدمشق. ومن أعمال مشروع التخرج هذا تمثال بالحجم الطبيعي لفلاح وزوجته منتشين بالغلال، وحصاد المحصول، إضافة إلى مجموعة أعمال منحوتة بالحجر الأبيض والجص تساعد في إبراز مشروع التخرج. وقد حصلت على امتياز شرف لمشروعي هذا.‏

• هل مارست الرسم وكيف كانت لوحاتك، وماذا عن العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين الرسم والنحت؟‏

•• كانت ممارستي للرسم مجرد هواية، من خلال مشاركتي في مجلة فنية لنادي المجد، الذي كنت انتسب إليه وإخراج الصفحات بالشكل اللائق، وممارستي تمت بإنجاز بعض اللوحات الزيتية، وشاركت بإحدى المعارض وتم اقتناؤها، واعتبر الخط والرسم أساساً لممارستي بفن النحت، وبناء الكتلة وارتباط السطوح ببعضها كأساس في بناء أعمالي النحتية.‏

• خلال أكثر من نصف قرن تنقلت بين النحت الواقعي والتعبيري والتكعيبي والتجريدي واساليب وتقنيات عديدة، لماذا هذا التنوع، وأين تجد نفسك أكثر، وبما تتميز تجربتك عن غيرك؟‏

•• غالباً ما أختار ما توحي به مخيلتي، ومن المواضيع حسب الخطة لتشكيل العمل الفن، دون فصل في أسلوب معين وعند رؤيتي لما يتجسد لدّي في موضوع أراني أتابعه في ما يتطلب من معالجة للخطوط والسطوح التي تملكها عيني في تلك اللحظة، وغالباً ما تلعب مادة التنفيذ للعمل مستقبلاً دوراً هاماً في تشكيل العمل وإخراجه وعن غير قصد، أتجول بين الواقعية والتعبيرية والتجريدية، ولا أرى في أعمالي تميزاً لافتاً عن غيري من الفنانين، أما الإضاءة التي تستهويني في معالجة العمل، تنطلق من رغبتي في معالجة السطوح المتناغمة وأرى نفسي فيها في أغلب الأحيان.‏

• لك نصب تذكارية كبيرة في أماكن متعددة، هل يمكن الاشارة الى أماكن تواجدها وعناوينها وأساليبها وتقنياتها وتواريخ انجازها..‏

•• أولاً: نصب تذكاري للثوري العربي، اشتركت في إنجازه مع الفنان المرحوم محمود جلال والفنان المرحوم وديع رحمة، حيث تم تشكيله بمادة الطين بأسلوب واقعي ثم بالجص بمشاركة جماعية ثم نفذ بمادة البرونز، وكانت أول تجرب لنا بتشكيل مادة البرونز وإخراج العمل بشكل متقن وأول ما تم نصبه عام 1967 بساحة المحافظة بدمشق، ثم نقل مؤخراً إلى جوار اتحاد الفلاحين.‏

وفي عام 1972 قمت بتنفيذ النصب التذكاري للثورة السورية في جبل العرب، وهو عبارة عن فارس عربي يمتطي الحصان واقفاً على قائمتين والفارس يحمل السيف والبندقية ولباس الحرب بأسلوب واقعي ويمثل الزي الشعبي لمحافظة السويداء، وقد نفذته بمادة البرونز في أحد بساتين دمشق، وهو موجود بإحدى ساحات مدينة السويداء. وفي عام 1977 قمت بتنفيذ نصب تذكاري للثورة السورية الكبرى، وهو عبارة عن مجاهد من أهل المنطقة واقفاً بشموخ وعلى كتفه بندقية وباليد الأخرى يحمل سنابل القمح رمز العطاء، وقد نفذته بمادة الرخام الإيطالي الأبيض (نحت مباشر) بأسلوب واقعي وقد أقيم في ساحة مخصصة له في مدينة درعا.‏

وفي عام 1983 نفذت نصباً تذكارياً لمجاهدي الثورة السورية الكبرى في حماة وتم إنشاؤه في ساحة بمدخل المدينة الشمالي، وهو نصب معماري تزينه لوحة في الفسيفساء الزجاجي، يمثل قائداً للثورة مع ثلة من المجاهدين، بمشاركة نسائية تمثل دور المرأة في النضال ضد الاستعمار الفرنسي. وفي عام 1990 قمت بتنفيذ نصب تذكاري للرئيس الراحل حافظ الأسد على تلة مقابل معمل اسمنت طرطوس، والتمثال بارتفاع خمسة عشر متراً بأسلوب واقعي، وقد تم تنفيذ ونحت العمل في أحد ساحات معرض دمشق الدولي القديم، بالتعاون مع النحات محمود شاهين، ثم تم سحب قوالب له وتم تنفيذه بمادة الحجر الصناعي بموقعه على التله المذكورة، مطلاً على البحر والطريق الدولي طرطوس واللاذقية، بالإضافة لمشروع ترميم تمثال رياض الصلح عام 1978 حيث كان التمثال قد تعرض لضرر بالغ بسبب الحرب اللبنانية، وقد أعدت بناءه وترميمه بشكل كامل مع تعويض كلي للأجزاء المفقودة بمادة البرونز وتصميم وبناء القاعدة، ليعاد عرضه في الساحة التي تحمل اسمه بالعاصمة اللبنانية بيروت.‏

وفي عام 2002 قمت بتصميم وتنفيذ اللوحة الجدارية لمجمع صحارى العمالي بريف دمشق بمساحة كلية قرابة 600 متر مربع بمادة البوليستر، وتمثل بانوراما فنية للجغرافية السورية العريقة بتنوعاتها المختلفة.‏

• الملتقيات النحتية التي شاركت بها، ولماذا لاتطل في معرض استعادي فردي ؟.‏

•• بعد تخرجي من كلية الفنون الجميلة مباشرة، بدأت المشاركة في معظم معارض الربيع والخريف والسنوي، وتم اقتناء الكثير من أعمالي من قبل المتحف الوطني بدمشق ووزارة الثقافة وفي بعض المعارض الدولية.‏

وقد شاركت في الملتقيات النحتية التالية: ملتقى النحت الأول في مدينة اللاذقية (المدينة الرياضية) عام 1998 وقد تم تكريمي بحضور الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة، وشاركت في ملتقى الأمل بمدينة حلب عام 1998 بعمل نحت مباشر على الحجر، كما شاركت بملتقى النحت على الحجر في الديماس (قرى الأسد) عام 1999 وشاركت بالملتقى الأول للنحت في قلعة دمشق عام 1997 وفي ملتقى مدينة المعارض الجديدة عام 2002 ولم تتوفر لدي الفرصة في تجميع أعمالي النحتية كي أقيم معرضاً فردياً خاصاً.‏

• هل أنت غائب عن الإعلام والكتب، أم انك مغيب، وماذا تقول وانت تجد بعض الأسماء الشابة، ومن ضمنها أصحاب التجارب الضعيفة، تكرم في ملتقيات ومعارض النحت على أعلى المستويات؟.‏

•• اعتبر تجربتي في كافة مراحل حياتي هي مشاركة وجدانية في إبراز المهارة التي اكتسبتها بمشاركتي مع كافة زملائي الفنانين، وتجربتي في النحت على الرخام في إيطاليا والتخصص في أعمال الخزف والبرونز والحجر الصناعي والنحت على البازلت وأعمال القولبة الفنية باختلافها مساهمةً في نشر الوعي الفني في هذا البلد الطيب. وأرى أن التركيز على مشاركة الشباب بكافة مستوياتهم الفنية وتكريمهم لا بد وأن يعطي نتائج مستقبلاً، ولا أشعر بنفسي غائباً أو مغيباً مطلقاً وأرى أن الفرصة التي نلتها في حياتي تجمعني بشكل متوازن مع نشاط زملائي.‏

•هل من كلمة أخيرة؟‏

•• بعد تجربتي الطويلة في هذه الحياة، وصلت إلى قناعة، وهي أن المعرفة وتداولي للفن بشكل أمين وصادق، هي نواة لجمع كافة الطاقات والمهارات والتآلفات الفكرية للوصول إلى مستقبل يعيش الجميع في ظله.‏ 

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024