الخميس 2016-02-11 00:30:07 كــتب
قراءة نقدية... طمعوا في المساحات الشاسعة فكانت لهم الصحارى

على ما تؤكده «موسوعة الميثولوجيا والأديان العربية قبل الإسلام»، فإنّ ما يُقصد بـ «العربية» هي تلك الثقافة التي تشكلت باللغة العربية، لغة الأدب قبل الإسلام شعراً، ونثراً، ولغة القرآن الكريم،

‏‏‏‏

والحديث النبوي، ومن ثم كانت لغة الآداب والعلوم طوال التاريخ العربي بدءاً من العصر ما قبل الإسلام الذي سُميّ «جاهلي»، وإلى يومنا هذا.‏‏‏

تلك الثقافة التي نشأت في «العربية الوسطى» تمتدّ من مشارف العربية الجنوبية (اليمن القديم) جنوباً، وحتى مشارف بلاد الشام والعراق شمالاً، ومن الخليج العربي شرقاً إلى البحر الأحمر غرباً، وتضم مناطق: تهامة، الحجاز، نجد، اليمامة، البحرين القديمة، إضافة إلى المناطق التي قامت فيها مملكة المناذرة في جنوب غربي العراق، ومملكة الغساسنة في جنوبي بلاد الشام.‏‏‏

جغرافيا مُلتبسة‏‏‏

وبرأي الكثير من الباحثين، فإنّ هذه «الثقافة» في هذه الجغرافيا، طالما كانت ميزتها على مدى الأيام هي الفقر الشديد، ورغم كل التطورات التي أتت على كوكب الأرض؛ فإنها لم تستطع التطوير بالذهنية الثقافية لناس المكان، بل على العكس كان دائماً يؤدي التأويل الخاطئ للتعاليم الدينية إلى تدمير الكثير من الملامح الثقافية في تلك الصحارى، والمعروف إنّ «الإسلام الحضاري» كانت انطلاقته الحقيقية، تماماً كالمسيحية، من دمشق الشام، عندما استقرّ فيها، ومن ثم وصل - كما المسيحية أيضاً - إلى مختلف أرجاء الكون.‏‏‏

و يُرجع الباحثون هذا الإملاق الثقافي في الجزيرة العربية، إلى جملة من الأسباب، لعلّ أبرزها يعود إلى المنشأ البيئي، وحسب الدكتور أحمد محمود الخليل - صاحب موسوعة الميثولوجيا والأديان العرابية قبل الإسلام - إن البيئة في الجزيرة العربية لاتتصف بالتنوّع الذي تتصف به بيئات الثقافات السورية والفرعونية، وغيرهما، كما أنها لم تسمح بقيام مؤسسات تهتم بالتدوين والحفظ، وتنقل إلى الأجيال ماأنجزه الأسلاف، وإذا ماأخذنا التراث الأسطوري العربي - على سبيل المثال - فهو ليس خصباً بما فيه الكفاية، فلا نجد فيه ما يُشبه أساطير بلاد الرافدين، والأساطير السورية، والفرعونية، والإغريقية، و سواها.‏‏‏

الخيال التصوري‏‏‏

وبتقدير الدكتور محمد عبد المُعيد خان، صاحب كتاب (الأساطير عند العرب) يرى ان العرب في تلك الجغرافيا التي أشرت إليها، يمتازون بخيالٍ تصوري، فهم يتصورون الأشياء، ويسترجعون التجارب، وبعبارة أخرى يؤكد خان ان العربي يأخذ شيئاً من المرئيات وشيئاً من المحسوسات ثم يُركّب منهما صورة ليست بجديدة، بل كما يُشاهدها كل ذي عينين في المرئيات، فيصفها في الحالة الذهنية المخصوصة لتلك الظروف، ولا يُضيف شيئاً جديداً، من هنا نرى حتى أصحاب المُعلقات غير قادرين مثلاً على تشبيه الناقة والفرس إلا بحيوان مثلهما، وهذا امرؤ القيس مثلاً يقول عن الناقة:‏‏‏

له أيطلا ظبي وساقا نعامة‏‏‏

وإرخاء سرحان وتقريب تتفل‏‏‏

أما طرفة بن العبد فيصفها:‏‏‏

كأن حدوج المالكية غدوة‏‏‏

خلايا سفين بالنواصف مندد‏‏‏

فيما شبهها عنترة بالظيلم:‏‏‏

فكأنما أقص الإكام عشية‏‏‏

بقريب بين المنسمين مصلّم‏‏‏

وشبهها الحارث بن حلزة بالنعامة فقال:‏‏‏

بزقوت كانها هقلة‏‏‏

أم رئال دوّية سقفاء‏‏‏

كما شبهها النابغة الذبياني بالثور الوحشي، وكذلك وصفها عبيد بن الأبرص، وإلى اليوم لايزالُ الشاعر العربي، يُشبّه عيون حبيبته بعيون المها والغزلان، أو بعيون بقر الوحش، أو يُشبّه وجهها بالقمر، وقدّها بالنخلة، ألا يثيرُ في الأمرِ التباساً ما، هل الشاعر هنا، يتغزّل بعيني حبيبته، أم بعيون تلك الحيوانات، وقدودِ تلك الأشجار..؟! وهل ضاقت اللغة بالشاعر حتى لم يعد يجد أمامه غير هذا التشبيه البائس، ألا يُفترض أن يكون جمال الحبيبة الخالص، كافياً لأن يُنشئ لغةً تعبيرية ثرية، تُعطي الدفع الكافي ليتغزّل بجمال عينيها، وقدّها الخالصين، بدل الاتكاء على تشبيهات، هي بنظر «العاشق» الحق، أقل من المُشبّه..؟!‏‏‏

مقارنات وحسب‏‏‏

ذات حين من تلك الصحارى المُقفرة، تُروى هذه الحادثة: انه دخل الأخطل على عبد الملك بن مروان، فقال له: يا أمير المؤمنين قد امتدحتك، فقال: إن كنت تُشبهني بالحية والسبع، فلا حاجة لي بشعرك، وحكاية ذلك الشاعر الاعرابي الذي دخل إلى الخليفة في بغداد فأنشد بين يديه:‏‏‏

أنت كالكلب في حفاظك للودّ‏‏‏

وكالتيس في قراع الخطوب‏‏‏

وهنا على ما يرى صاحب الأساطير والخرافات عند العرب، انّ «العربي» قليل الابتكار، وإنّ عقليته خالية من الخيال الاختراعي، من هنا فإنّ المُتأمل لهذه الموازنات، يجدها مقارنة أعضاء الإنسان وأعماله بأعضاء الحيوان وأفعاله، أو قل ما هي إلا موازنة شيء بشيء آخر.‏‏‏

فإذا كان هذا حال الشعر، وهو أعظم ما قالته العرب قبل الإسلام وبعده، باعتباره كان ديوانهم سجلاً لوقائعهم وأخبارهم، بهذه التشبيهات، أو هي بالأحرى بهذه المقارنات لا أكثر، بمعنى أنّ الشاعر العربي كان طول الوقت يُقارن، ولا يُشبه، فكيف حال بقية فروع «الثقافة» من عمارة ونحت وغيره.‏‏‏

وفي نظرة لأشكال الآلهة التي عبدها العربي في صحارى الجزيرة العربية، وعلى اعتبارهم لم يعرفوا فن النحت إلى اليوم، أنهم عندما أرادوا أن يصنعوا «إلهاً» يتعبدونه، قاموا بتجميع كومة رمل، وحلبوا عليها من ضرع غنمة، ثم كانت الآلهة، وبعد ذلك كان أي حجر يُستعاض فيه بإله، حتى جاءهم شخص ويُدعى عمرو بن لحج، الذي كان يزور بلاد الشام والرافدين، فأقدم إليهم باللات والعزى ومناة من «الأصنام» التي هي صور أخرى لعشتار وبعل وغيرهما من آلهة سورية والعراق القديمتين. حيث تغيب الآثار والحضارة العمرانية عن الجزيرة العربية تماماً، وما بقي مما عمرّه الإسلام في بواكيره حتى قبور الأنبياء والصحابة، تكفلت بإنهائه التكفيرية الوهابية.‏‏‏

أخيراً‏‏‏

طمع القومُ في المساحات الشاسعة فكانت لهم الصحارى.!‏‏‏ 

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024