الإثنين 2016-02-01 22:43:35 مســرح
مسرح .. «ديوان مظالم» لشواغل النساء

على ما يُسجل المهمومون بالتأريخ والتأصيل، فإن المظاهر الأولى لقيامة مسرح المونودراما - سواء كان عالمياً وحتى على الصعيد المحلي - كان قد بدأ «رجالياً» صرفاً، وذلك في كل تفاصيل المشهد المسرحي، أي من النص، وحتى التمثيل، مروراً بالإخراج، والديكور، وغير ذلك من متممات الفرجة المسرحية.

‏‏‏‏‏

وعلى ما يروي المؤرخون المسرحيون، فإن الشاعر «ثسبيس الإيكاري» الذي عاش بالقرون الأولى قبل الميلاد، كان هذا «الشاعر» هو الممثل الأول للمونودراما في التاريخ.‏‏‏‏

أما في سورية، فقد وقع عبء حمل هذا الفن - المونودراما- على كاهل الرجال على الأقل في البداية، أي كانت انطلاقته ذكورية أيضاً، وذلك لبعض الوقت ربما بدا طويلاً، حتى تأتي النساء المسرحيات فيما بعد، ويخضن مجال هذا الفن، الذي وبحكم غاياته وأغراضه، بدا «فناً نسوياً» أو كان أقرب ل «ديوان مظالم» لشكاوى النساء وشواغلهم..!‏‏‏‏

فاعلية متفاوتة‏‏‏‏

وفي المشهد المسرحي السوري الذي أخذ شكل المونودراما له، برز في هذا المجال في بداية انطلاقته رجال، هم الذين كتبوا، واقتبسوا، ومثلوا في المونودراما، واللافت للانتباه، أن النصوص الأولى التي تمّ تجسيدها على خشبة المسرح، كانت مقتبسة عن نصوص أجنبية، أي كما تمّ الأمر بالعروض الأولى لبدايات المسرح التقليدي، ليس في سورية وحسب، وأنما في العالم العربي خلال بداية القرن العشرين، عندما تمّ تجسيد نص «بخيل» موليير، وهو من إخراج مارون النقاش معرباً ليكون بداية المسرح في العالم العربي..!‏‏‏‏

ومع ذلك لن يطول الوقت بهذا الاحتكار «الذكوري» لمسرح المونودراما، حتى انخرطت النساء المسرحيات بهذا الشكل المسرحي الذي بدا شخصي لكنه يهم الآخرين، حاولت المرأة في مسرح المونودراما أن تقدم مسيرة تلك الشخصيات النسائية بما يوازي كفاحهن في الحياة، فقد بدت العروض المسرحية التي أخذت شكل المونودراما، إنها جاءت بدافع مناخات نسوية محقونة بالصراخ الحقوقي.‏‏‏‏

وبالعودة للتأريخ والتأصيل المسرحي، فإن المتابعين لهذا التأريخ والتأصيل، يعدون عرض «الاختيار» في بداية تسعينيات القرن العشرين، هو أول عروض مسرح المونودراما «النسائية». بعد هذا العرض سنجد المرأة في عروض المونودراما بالأماكن الثلاثة الرئيسية، وإن كان بنسب مختلفة، وهي: التأليف، الإخراج، والتمثيل، وإن كانت أيضاً موجودة في الموسيقا، وكذلك بالديكور، وفي كل تفاصيل العرض المسرحي، وهنا سنميز أيضاً ثلاثة أنواع من النسب، وهي أن المرأة في هذا الشكل المسرحي كانت أكثر فاعلية في التمثيل حيث كانت الأكثر حضوراً، ثم في الإخراج، وأقل منهما في التأليف والإعداد والاقتباس للنص المسرحي.‏‏‏‏

الصالح الأكثر شغلاً‏‏‏‏

أما في مسرحية «عيشة» التي قدمتها فرقة الرصيف، فستشارك في إنجازها أكثر من امرأة، هذه المسرحية التي كتب نصها التونسي المقيم بسورية حكيم مرزوقي، ستخرجها رولا فتال، وتقوم بتمثيلها رائفة أحمد في البداية، هذا العرض المسرحي الذي سيفتح الطريق أمام الفنانة الراحلة مها الصالح لتجسد أكثر من عرض مسرحي مونودرامي فيما بعد، وستكون هذه الفنانة هي الأكثر شغلاً في هذا المجال بالوسط المسرحي السوري، فقدمت بعد عرض «عيشة» مسرحية «الأيام الحلوة» نص صموئيل ييكيت، وصياغة خالدة سعيد، ومن ثم «خطبة لاذعة ضد رجل جالس» من إخراجها ونص لماركيز، وإعداد جوان جان، وبعد ذلك تلتقي مع محبي هذا الشكل المسرحي بعرض «شجرة الدر» نص عز الدين المدني، وإخراج شريف خزندار.‏‏‏‏

حكاية كل النساء‏‏‏‏

فعل «الاغتصاب» سيتكرر بأكثر من عرض مسرحي، منها مثلاً مونودراما «وجوه من خرز» حيث هي الحكاية ذاتها تتكرر منذ آلاف السنين، من ليليت أمازونة ما بين النهرين، عندما انتصرت العقلية الذكورية ذات ليل، وكان بعدها أول عملية اختطاف ربما لامرأة وهي «أوروبا» من قبل زيوس، ثم لتتكرر حكاية نكبتها، ليس كل يوم وحسب، بل ربما في الساعة الواحدة، حيث تغتصب مئات النساء في زوايا هذا الكون.‏‏‏‏

ياسر دريباتي الذي أخرج «وجوه من خرز» ومشاركاً في كتابة النص مع نضال أحمد، استطاع أن يُمسرح في (وجوه من خرز) متناولاً حكاية الاغتصاب هذه، بتجسيد خديجة غانم، وذلك بتحويل الحكاية المعروفة، والحدث الذي يتكرر على الدوام، بنقل «الكتابة من درجة الصفر» كما سمّاها رولان بارت، بانزياحاتها عن العادية والمباشرة والتكرار، إلى الفن، باستطالاته، وتعدد الدلالات، و من ثم الإنزياحات، وليصير «الاغتصاب» اغتصابات، واقعاً، ومجازاً، في عرضٍ، استطاعت خديجة غانم فيه أن تسكن كل شخصيات الحكاية، أو تخرج كل شخصيات الحكاية عبرها، ضحية وجلاداً معاً، منتهِِكة ومنتهكَة بآن واحد، من خلال «منولولوج» أو نجوى الحكاية، التي كانت هي أساس عروض المونودراما ربما، ولكن هنا، منولوج أو نجوى طويلة لكن بصوتٍ عالٍ، عبر حوار الشخصية مع ذاتها، أو ذواتها..‏‏‏‏

شواغل النساء‏‏‏‏

من هنا سنجد هذا التقاطع بين عروض المونودراما، وهي هذا الشغف بشواغل النساء، وشرح معاناتهن، ومن ثم كانت هذه المناجاة الفردية، وهي وإن توفرت في مختلف الأجناس الإبداعية حتى في القصيدة، غير أنها كانت في عروض المونودراما، وبهذه الحالة البصرية التي تقدم من خلالها مفعمة بالأحاسيس الحارة أمام المتلقي، وهو ما توفرت له غالباً في مختلف هذه العروض ممثلة حكواتية من نوعِ مختلف.‏‏‏‏

المونودراما، التي «تتشظى» شخصياتها على الخشبة، تنتصر الى صوت الفرد، الى الأنا المبدعة، وتتيح المجال لكشف التداعيات، آلام المرأة ومعاناتها، وهي شكل فني، وجنس مسرحي، يُعنى بهذا الصوت، الذي غيبته الإيديولوجيا في كثير من الأحيان، المونودراما التي تخلق هامشاً صغيراً للفردانية، وهذا ما تحقق في جملة العروض التي قدمتها النساء في سورية، سواء كان كتابة أم إخراجاً، أو‏‏

تمثيلاً.‏‏‏‏ 

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024