الأحد 2016-01-17 13:59:08 ســينما
الفيلم الذي تصدّر جوائز الغولدن غلوب..(العائد- The revenant).. اختلاس الحياة رغماً عن أنف الموت

من خلال قصة ساحرة بقدرتها على التقاط عينيك وكل حواسك، استحق فيلم (العائد- (The revenant الفوز بجائزة أحسن فيلم درامي ضمن الدورة (73) للغولدن غلوب، وجائزة أحسن مخرج للمكسيكي آليخاندرو كونزالس ایناریتو، وأفضل ممثل عن دور درامي ليوناردو ديكابريو.. ليسهل الطريقة أمامه وصولاً للهدف الأكبر «الأوسكار».

على أكثر من صعيد تُعيد صيدك تلك القصة.. كما تشتهي هي لا أنت.. على صعيد الحبكة، الأداء، الصورة- الطبيعة، المغزى الذي يحمله كل ذلك، وأخيراً الإخراج الذي واكب جماليات لا حدّ لها.‏

من البداية يرسم خط سير البطل (غلاس- ديكابريو)، وفق تفاصيل حكاية تعود لعام 1820، تصدمك في حدّتها وقسوتها. صيّاد ويعمل دليلاً لمجموعة من الرجال البيض الذين لا يعرفون جغرافيا المنطقة (ميسوري)، يحملون جلودهم وبضاعتهم، هرباً من الهنود الحمر.. وغلاس هو أملهم الوحيد في الخروج من أرض الهلاك تلك.‏

يحدث أن يستفرد به الدب الأشهب.. المواجهة بحدّ ذاتها تجعلك غير قادر على التقاط أنفاسك.. تفاجئك بتكنيك إخراجها. يكاد يقتله ذاك الوحش الحيواني.. وفي لحظة إصرار وشجاعة من غلاس يتمكن من قتل الدب.. لكن بعد أن يجعله على مشارف الموت.‏

يخيط طبيب المجموعة جراح غلاس ويضطرون إلى حمله، لكنه بهذه الطريقة يؤخر مسيرهم فيتوصلون إلى إبقائه مع المدعو (فيتزجيرالد- توم هاردي) وفتى آخر وابنه الذي أنجبه من زوجته الهندية التي قُتلت على يد البيض.‏

إلى الكثير من العذابات الجسدية والنفسية يتعرّض غلاس.. أقساها رؤيته مقتل ابنه على يدي فيتزجيرالد دون أن يستطيع حراكاً.. ويعود هذا الأخير لدفنه حياً وتركه وحيداً شبه ميت في منطقة متوحشة القسوة بطبيعتها التي لا ترحم.‏

روح من الإصرار وإرادة البقاء كما الرغبة بالانتقام.. دفعت بـ(غلاس) لإعادة استيلاد الحياة والنهوض من قلب الموت.‏

الكثير من التفاصيل تشكّل مفاجأة- صدمة للمتلقي.. كما في المشهد الذي يبقر به بطن حصانه، يزيل أحشاءه، ليعود يدخل في جوف الحصان كوسيلة يحمي بها نفسه من الثلج.‏

رحلته لأجل البقاء محمّلة بالكثير من المضامين.. والفيلم بعمومه على الرغم من قسوة بعض مشاهده، يقدّمه إيناريتو بأسلوبية شفّافة. يركّز المخرج طوال عذابات غلاس على ملاك زوجته الذي يّديم الظهور له.. وكما لو أن الحب يأتي معادلاً للطريقة الفظة التي ترافق الحياة في ذاك الزمان والمكان.‏

يسطّر الفيلم كبرى مقولاته.. فهل البقاء للأقوى أم للأنبل..؟‏

ينحاز العمل لذاك النبيل الأقوى.. كما يلمّح إلى تلك الوحشية المتأصلة بالإنسان التي تهزم أحياناً وحشية الطبيعة.‏

بذكاء يسلّط العمل الضوء على الشقاء الذي لحق بالهنود الحمر من الرجل الأبيض، وبذات الوقت يجعل من بطله رجلاً أبيض مخالفاً للآخرين البيض من حيث تعامله مع الهنود. فماضيه يخبرنا بحبه لفتاة هندية وإنجابه ابناً منها بدا مشابهاً لها تماماً.‏

في مسيرة البقاء الذي يصر عليه غلاس يواجهه الموت مراراً لكنه في كل مرة يدير له ظهره مقبلاً على اختلاس الحياة.. فكان له ذلك.‏

هل استحق انتقامه، نهايةً، من فيتزجيرالد كل تلك الرحلة الطويلة.. هل سيستعيد ابنه بانتقامه كما يسأله غريمه فيتزجيرالد لحظة المواجهة..؟‏

هل الرغبة بموت الآخر العدو تُعيد خلق دماء جديدة في المرء..؟‏

تبقى عدسة أليخاندرو أمينة للطبيعة الجغرافية للمنطقة، طبيعة قاسية.. أنهار، مسطحات وانهيارات ثلجية، جبال، تجاويف صخرية.. وسط كل ذلك تغرق عدسته في تصوير مشاهد العمل.. ما جعله يكتسب روحانية الأجواء وقسوتها بالوقت ذاته.. وهي نقطة ميزت العمل.. قدرته على خلق توازن بين صفاء وروحانية تسيّر البطل وقسوة الظروف التي تحيط به فتجعله مثلها.‏ 

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024