السبت 2016-01-02 10:52:06 اخترنـــا لكـــم
صلاة إلى العام الجديد: أعطنا حباً.. فبالحب كنوز الخير فينا تتفجر.. وأغانينا ستخضرّ على الحبّ وتزهر

عام جديد, وأمل جديد، ولعل الشاعر العربي الذي قال: ما أضيق العيش لولا فسحة الامل، لعله كان يزرع فينا بذرة الامل ونورا لايمكن لكوابيس الظلام مهما كانت قوية وعاتية ان تنتزعه من ارواحنا، وقلوبنا وعقولنا،

عام جديد حسب التقسيم الزمني الذي ابتكره الانسان، يعني بحراً نعبره، وفيه من الامواج المتلاطمة وهدير السفن العابرة ما يجعلنا امام موج ومد، نسأل انفسنا كيف سيكون الملاح الذي امسك بقبضة المجداف؟‏‏

‏‏

ولكن اليس كل واحد منا ملاحا، ملاحا يقود سفينه الى بر النجاة، ولكن لانجاة الا بالابحار الجماعي معا، لان الزمن هو بحر الاوطان، والناس شطآن الامل، لهذا البحر، لهذا الزمن كان الشعراء منذ ان كان الحرف، وكان الشعور بوطأة الزمن، تغنوا به، عاتبوه، حملوا اليه رسائل الحنين والشوق، تطلعوا بلهفة عاشق ينتظر حبيبا لم يره، يريد ان يتقرى ملامحه يعرف وسمه، وشكله، وما يحمل في جعبته.‏‏

العام الجديد والشعراء صنوان لايفترقان، فكل ولادة قصيدة هي زمن جديد، وحياة تضاف الى حيوات الشاعر تعطيه بعدا وخلودا، فكيف اذا كانت مع العام الذي يطل ويأخذ شيئا من اعمارنا ؟‏‏

كيف تبدو اللهفة، وما الرسائل التي تحملها قصائد وامنيات الشعراء ؟ الجديد ومنذ عام 1958 امانيها، بثته ما فيها، وما بها، صلاة الى العام الجديد, لا كالصلوات ابدا، انها نحن وقد ارهقنا الزمن وحفر اخاديده وترك موجه على شطآن الوجوه:‏‏

في يدينا لك أشواق جديدة‏‏

في مآقينا تسابيح، وألحان فريدة‏‏

سوف نزجيها قرابين غناء في يديك‏‏

يا مطلاً أملاً عذب الورود‏‏

يا غنياً بالأماني والوعود‏‏

ما الذي تحمله من أجلنا ؟‏‏

ماذا لديك!‏‏

أعطنا حباً، فبالحب كنوز الخير فينا‏‏

تتفجّر‏‏

وأغانينا ستخضرّ على الحبّ وتزهر‏‏

نعم هي الصلاة التي اطلقتها فدوى طوقان منذ ما يقارب النصف قرن من الزمن، ولم تكن مآسي الامة كما هي اليوم ابدا، كانت الجراح وكان النازف الاكبر الجسد والقلب الفلسطيني، واليوم امتد النزف والالم لكل بلاد العرب اوطاني، ولم نعد ندري اهي بلادنا حقا ؟ من هؤلاء الغربان وشذاذ الافاق من كل حدب وصوب اتوا الينا ؟ لم انقلب الاعراب على عروبتهم، من باع ومن اشترى، وكيف لمال النفط الاسود الحاقد ان يفعل فعله في بلاد النور والضوء والعطاء ؟‏‏

لم تغيرت دفاتر الزمن، وصار الجرح اكبر من خارطة الارض ؟ هي اسئلة لا نحملها الى العام الجديد، لاننا نعرف انها وجدت الاجابات والمحطات، ونعرف ان العام الجديد معطر بدماء الشهداء سيرسم ملامح الغد والسنوات والقرون، نعم نردد مع طوقان:‏‏

أعطنا أجنحة نفتح بها أفق الصعود‏‏

ننطلق من كهفنا من عزلة -‏‏

أعطنا نوراً يشقّ الظلمات المدلهمّة‏‏

وعلى دفق سناه‏‏

ندفع الخطو إلى ذروة قمّة‏‏

نجتني منها انتصارات الحياة‏‏

ندفع الخطو إلى ذروة قمّة‏‏

نجتني منها انتصارات الحياة‏‏

هي الحياة التي رسمها السوريون بالدم والعبق والطيب، تهدي انتصاراتها الى كل حر ابي على امتداد الارض، انتصار للانسانية كلها، فالارهاب الذي يضرب السوريين انما يضرب الحضارة كلها والعالم كله، والسوريون الذين يرسمون ملامح الزمن القادم هم حراسه، بالشهادة والعطاء.‏‏

واذا كانت فدوى طوقان بنت الارض والنضال هكذا همست الى العام الجديد، فما الذي تقوله نازك الملائكة، تبدو نازك محبطة باكية، يائسة من كل ما هو انساني:‏‏

يا عام لا تقرب مساكننا فنحن هنا طيوف‏‏

من عالم الأشباح, يُنكرُنا البشر‏‏

ويفر منّا الليل والماضي ويجهلنا القدر‏‏

ونعيش أشباحاً تطوفْ‏‏

نحن الذين نسير لا ذكرى لنا‏‏

لا حلم, لا أشواقُ تُشرق, لا مُنى‏‏

آفاق أعيننا رمادْ‏‏

تلك البحيرات الرواكدُ في الوجوه الصامتهْ‏‏

ولنا الجباه الساكتهْ‏‏

لا نبضَ فيها لا اتّقادْ‏‏

نحن العراة من الشعور, ذوو الشفاه الباهتهْ‏‏

الهاربون من الزمان إلى العدمْ‏‏

الجاهلون أسى الندمْ‏‏

نحن الذين نعيش في ترف القصورْ‏‏

ونَظَلُّ ينقصنا الشعور‏‏

لا ذكرياتْ,‏‏

نحيا ولا تدري الحياةْ,‏‏

نحيا ولا نشكو, ونجهلُ ما البكاءْ‏‏

ما الموت, ما الميلاد, ما معنى السماء‏‏

لن نطلق صرختها المترعة بالاسى والالم، لاننا ابناء الحياة، نعرف ان جراحها الراعفة كانت وراء السواد الذي يلف قصيدتها، ونعرف ان الشموع تضاء بدمائنا، في سورية والعراق، وكل بقعة مناضلة، ونعرف ان العام الجديد اكثر بهاء وعطاء وقوة، لاننا نحن من نصنع اعوامنا ونرسم خطانا، وللقدر، ولكنها كما السياب في قصيدته انشودة المطر، تريد للضمائر ان تصحو، تريد للأوطان ان تثور على الجهل والتخلف، لا على العلم والمعرفة والمدنية والحضارة:‏‏

ما قولُهم إنّ الضمائر قد تثور‏‏

ونود لو متنا فترفضنا القبور‏‏

ونود لو عرف الزمانْ‏‏

يومًا إلينا دربه كالآخرين‏‏

لو أننا كنا نؤرخ بالسنين,‏‏

لو أننا كنا نقيَّد بالمكانْ‏‏

لو أن أبواب القصور الشاهقات‏‏

كانت تجيءُ قلوبَنا بسوى الهواء,‏‏

لو أننا كنا نسير مع الحياةْ‏‏

نمشي, نحس, نرى, ننام‏‏

وينالنا ثلج الشتاءْ‏‏

ويلفُّ جبْهَتَنا الظلام‏‏

أواه لو كنا نحسّ كما يحس الآخرونْ‏‏

وتنالنا الأسقام أحيانًا وينهشنا الألم‏‏

لو أنَّ ذكرَى أو رجاء أو ندم‏‏

يومًا تسدُّ على بلادتنا السبيلْ‏‏

لو أننا نخشى الجنونْ‏‏

ويثيرُ وحشَتنا السكون‏‏

لو أن راحتنا يعكّرها رحيل‏‏

أو صدمة أو حزن حب مستحيل‏‏

للحياة، للامل، للعمل، للفداء هي صلواتنا، ووراء كل سواد فجر يلوح، وهذه المرة دماء الشهداء ترسم اليوم والغد وبعده وكل يوم، وصلواتنا الى اطفالنا، ابطالنا، الى وطننا الى امهات الشهداء، الى من رحل وعانق الخلود، الى العالم الذي يرى النور من ربانا يشع ويعرف اننا وقوده، واننا ابناء الحياة.‏‏ 

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024