0 2015-12-29 15:54:36 الفن التشكيلي
أسامة معلا..يرقــص بالأصابــع ليُنجــز تجربــة فنيــة لاتلـوي علــى اســتقرار

أسامة معلا؛ هو رابع «الأخوة معلا» بعد كل من الفنانين: أحمد، طلال، وعلي، الذين خوّضوا في مجال اللون، ومختلف اتجاهات الفنون الجميلة، وكان لكلٍّ منهم أسلوبه المُغاير الذي يُخالف شقيقه رغم كل ما يجمع بينهم من ألوان جميلة على صعيد الحياة، أم في المجال الجمالي الذي اختاره كلٌّ منهم.

رقص الأصابع‏

وفيما استقر كل من الأشقاء الثلاثة على أسلوبه الذي تميز من خلاله، بقيت تجربة أسامة لاتستقرّ على ثبات، فأسامة وبعد انقطاعه عن التشكيل ضمن أبعاد اللوحة المُتعارف عليها لمدة تزيد عن العشرين عاماً، اشتغل خلالها في فنون الديكور،‏

و..كان قبلها قد أقام ثمانية معارض فردية، يعود الفنان أسامة معلا مرةً جديدة إلى أبعاد اللوحة لكن ليس المُتعارف عليها تماماً، وهو القادم، أو «العائد» من شغلٍ تشكيلي مختلف إلى حدٍّ ما، لاسيما لجهة المساحة والأبعاد، من أعمال الديكور في المسلسلات التلفزيونية، وإخراج المجلات والصحف، ليُقيم معرضه منذ حوالى خمس سنوات، في غاليري (مقهى جدل بيزنطي) في اللاذقية. ومن هذا المعرض لن ينقطع بعده أسامة عن إقامة المعارض التشكيلية بمعدل معرضين تقريباً في السنة الواحدة. أما عن سبب انقطاعه الطويل عن الشغل التشكيلي فيذكر معلا إنه كان بسبب أنّ «اللون الثمين الذي فقدته، ولم يعد يشبعني اللون بالريشة أو السكين, ولأن في داخلي ذلك الفنان الشقي قررت العودة إلى الفن بعالم اللوحة التي خطرت في بالي وهي أن ألغي الريشة واستعيض بدلاً عنها أصابعي لأرى اللون بجسدي, لذا رسمت الطبيعة بأصابعي وكان لي معرض بعنوان الرقص بالأصابع».‏

من خمس سنوات‏

«معرض جدل بيزنطي» سيعمّرهُ معلا من تراكم شغله السابق على تنوعه واختلافه، فهو وأن عاد إلى أبعاد اللوحة من حيث المساحة، غير أنه سيبني تلك المساحة التي وفرتها له اللوحة بشغلٍ أقرب إلى أعمال الديكور، وذلك في تأكيده على البعد الثالث بما يُقارب أعمال «الروليف» في التجسيد الذي أوقفه على (الإنساني)، تجسيدات مكونة مما توافر من الجوار والبيئة والمكان: قهوة، حصى، تبن، طين، وغير ذلك، بحيث تبدو تلك التجسيدات الإنسانية، وكأنها تنبثق طالعة من خلفية اللوحة، أو كأن سطح اللوحة شكل ما يُشبه خشبة مسرحية، لتقوم تلك الأجساد الهائمة على وجوهها بأدوارها الفنية، وتقديم التخييل والقراءة التي هدف إليها الفنان هنا، أو تلك التي أوّلها المتلقي حسب ذائقته، ووعيه التشكيلي..‏

من ذلك المعرض، الذي بدا انعطافة ثالثة في تجربة أسامة معلا، وكأنّ بوابة الانعطافات قد بدأت تتوالى في شغله التشكيلي، الذي يبدو ناشطاً في إقامة المعارض بين بيروت، ومختلف المدن السورية. ففي معرضه الذي أقامه في مقهى هيشون باللاذقية، يذهب أسامة صوب اختزال الطبيعة، مشتغلاً أكثر على المتباعدات بين الألوان بما يُشبه التضاد، وساعياً بلا هوادة للمزج فيما بينها، ومتحرشاً أكثر بعوالم الأبيض والأسود في رؤية أقرب إلى الجنائزية. وخلالها عكس بهذه الـ «موتيفات» حالات الكائن السوري في محنته.‏

عن الكائن السوري‏

وفي معرضه الذي أقامه في نادي الأوركسترا باللاذقية أيضاً، وكان قبل المعرض السابق بقليل، فقد كرسّه معلا للاعتناء أكثر بالخط واللون الخالصين متجهاً أكثر صوب التجريد لحالات إنسانية مقهورة ومشروخة الأرواح طول الوقت. في هذه الحالات الإنسانية يجمع معلا بين متناقضين «الفرح والشفاء الإنساني معاً» الفرح الذي جسدّهُ بالألوان الفرحة التي من خلالها شخص تلك الحالات الإنسانية المعذبة، وعن هذه التجربة اللونية التي تحمل الكثير من المُفارقة بين الحالة اللونية، والحالة الإنسانية، يقول: «ألواني ليست ألواناً، وإنما هي انعكاس لوجع وهم، والأصعب أن تستطيع استثمار اللون بشهية وترسم وكأنك ترسم على صفحة سماء، وفي النهاية توقع على غيمة بكل بساطة»، هنا ثمة «نساء» مُعلقة من عرقوبها تصرخ من حالات التوائها طول الوقت.‏

هنا يبدو ثمة هدف بارز، وهو شغله على المفارقة التي تبدو جلية في أكثر من معطى جمالي وتشكيلي، فهذه الجموع التي تنبثقُ، أو تُقدُّ من عمق اللوحة، وكأنها تُقدُّ من صخور، والتي يصر معلا لأن يبرزها جموعاً وجماعات، فهي وبقدر هذا «التجمع» تظهر بنفس القدر بما يمكن قراءتها مفرقة، ومتفرقة، وأحادية، وكأن التجمع هنا لايعدو أكثر من حالة قطيعية، وليست إنسانية، كأن خوفاً ما، قلقاً ما، هو ما أجبرها على هذا التجمع، أو قد يكون صلاة معينة لا يقبلها الكائن الكلي القدرة إلا من كثيرين معاً، فقد عمد معلا على تغييب الكثير من الملامح الإنسانية، وأبقى فقط بما يوحي بإنسانيتها، تظهر هائمة طول الوقت، أو محلقة وكأنها في تصوّف، أو تعبّد، وجوه من العبث البحث لقراءة ملامحها إن كانت رضى، أم هيجان، حتى تفاصيل الجسد غابت بذلك اللباس الذي جاء أقرب لشكل القنباز القديم، بيحث غيّب جماليات أو حتى عيوب الجسد، فقد وحدّهم بهذا الشكل وإن جاؤوا ملونين، غير أن هذا التلوين لم يفيد إلا بأن برز ذلك القلق والخوف، و..التصوف بالألوان بمعنى التعدد والاستمرار للحالة التراجيدية في كل الأحوال، فهم يتجهون إلى الجهات كلها، ولكن لا يصلون، وهم في حركة دائبة، ولكنهم مجمدون، وثابتون في «تواهانٍ» وضياعٍ كبيرين..‏

أوتار فينيقية‏

هذه الحالة من انعدام الوزن التي يضع فيها معلا شخصياته التشكيلية بلا هوادة، لم تمنعه مساحة اللوحة الصغيرة إذا ما قيست بالمساحات التي كان عليه أن يملأها بعناصر الديكور في الأعمال التلفزيونية سابقاً من إيجاد متسع من الحرية لأن يُخادع هذه المساحة ويُراوغها بإصراره على إشغال فضاء قلما انتبه إليه الفنانون التشكيليون، أي البعد الثالث، أو إعطاء الإحساس به، وكأن تلك الشخصيات تبدو خارجة وطالعة من اللوحة، باعتماده على هذه المواربة في الشغل التشكيلي الذي يقوم على النحت والرسم معاً (الكتلة، اللون، والخطوط)، وبذلك فإن معلا حصل من ذلك على أكثر من «مكسبٍ» فني من هذا «الجدل» الذي نوّع عليه.‏

نذكر أن أحدث معارض معلا، كان معرضه الذي يحمل عنوان «أوتار فينيقية» بقاعة أكواريوم غاليري في فندق الأكواريوم - جونية.‏

وأخيراً، فإنّ أسامة معلا، وفي كل شغله التشكيلي، يسعى لغاية جمالية واحدة؛ وهي الخروج من دائرة السائد والمألوف إلى مساحات جديدة يتم فيها استنباط أدوات مغايرة تساعد المتلقي على تجديد حواره مع العمل الفني ومخاطبته من خلال لغة تشكيلية جديدة تحتمل الكثير من القراءة والتأويل. كما يؤكد في كل مرة نسأله.‏ 

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024