الجمعة 2015-12-11 16:07:28 اخترنـــا لكـــم
التشكيلي بديع جحجاح يخوض تجربة السينوغرافيا مع المخرج أنزور في فيلمه الجديد “فانية وتتبدد”

يعتبر فن السينوغرافيا القادم من المسرح مكونا مهما من مكونات المنظومة السينمائية باعتماده على تصميم وتنفيذ عناصر مشهدية تتعلق بالبيئة المكانية من خلال الاستعانة بالفن التشكيلي وكل الفنون البصرية من رسم ونحت وعمارة وحفر وغرافيك ما يقدم خدمات جلية للمخرج ويساعده في خلق الفضاء السينمائي عن طريق تطويع حركة الفنون التشكيلية والمعمارية والمناظر والأزياء والإضاءة بغرض إثارة الدهشة.

وفي فيلمه الجديد “فانية وتتبدد” الذي يأتي ردا على مقولة تنظيم “داعش” الإرهابي “باقية وتتمدد” أسند المخرج نجدة اسماعيل أنزور مهمة السينوغرافيا للفنان التشكيلي بديع جحجاح ليقوم ببناء المشاهد التخيلية في مواقع التصوير بمدينة داريا حيث تدور الأحداث في أماكنها الحقيقية التي تعرضت للدمار بسبب الإرهاب التكفيري الهدام.

وفي حديث لسانا الثقافية يقول السينوغرافي جحجاح أن عمله في الفيلم هو بناء المشهد والصورة والعناصر التي تشكل الفراغ من موجودات وديكورات ومواد وألوان وتركيبات ما يجعل السينوغرافيا أحد عناصر الإخراج المهمة لاكتمال منظومة مشهد الفيلم.. مشيرا إلى أنه لم يكن يتوقع أن يشتغل في السينما حتى طلب منه ذلك المخرج أنزور الذي يعتبره مدرسة في الإخراج فوافق على الفور.

رافق جحجاح عمليات التصوير لمدة 35 يوما في داريا من الثامنة صباحا حتى آخر النهار وكان بعد قراءة السيناريو واختزاله يقوم بتهيئة وتحضير الأماكن والمواقع ويملأ الفضاء السينمائي تمهيدا لبدء عمل المخرج وعمليات التصوير.. ولفت إلى أن مكان التصوير كان مليئا بالفوضى الوحشية وانتفاء الأنسنة وهنا يأتي دوره مع فريق عمله من فنيي ومنفذي الديكور ليعيد ترتيب الفوضى ويلونها ويعيد النظام إلى المكان ضمن هذه الفوضى بحيث تخدم عناصره كلا من العين والكاميرا والإضاءة.. في مزج بين الفن التشكيلي وأدواته من جهة والعين الإخراجية السينمائية من جهة أخرى.

ويورد صاحب مشروع دوران مثالا عن عمله في مشهد مقر لتنظيم “داعش” الإرهابي الذي يتشكل من كتلة طابقية ضخمة فيقوم بتأليف المكان من دشم وتلوين وعناصر الخلفية واللباس مراعيا تناسب وتناسق ألوان اللباس والأشخاص والديكور مع مجمل المشهد وطريقة مرور الكاميرا مع اعطاء المخرج كل الاحتمالات المفتوحة بدائرة من 360 درجة فكيفما دار بكاميرته سيجد عناصر تخدم صورته وهذا ما يزيد جرعة الإبداع لديه..فبدلا من إنهاء المشهد بلقطة أو اثنتين يساهم الفراغ المشغول بدقة في فيض إبداعه ليستخدم ذلك في عمليات المونتاج.

ويوضح أنه في مشاهد السجن والتعذيب الذي يمارسه إرهابيو “داعش” في الفيلم يختلف التلوين الخاص بالسجن عنه في مدرسة للأطفال.. فالألوان التي ترمز للحرية والطفولة يأتي اللون الأسود الذي يتمثله “داعش” ليقضي على كل ذلك ويلغيه ليأكل السواد كل ما هو طبيعي وإنساني بهدف تقويض الجمال..كما أن مشهد شنق الأستاذ في بانيه كرة السلة بباحة المدرسة كان مؤثرا ورمزيا فعنصر السلة الدائرية التي تتدلى منها المشنقة يشير إلى احتقارهم للرياضة والتعليم وكل ما فيه أنسنة وحضارة.

وقال صاحب غاليري ألف نون ان المخرج انزور اختاره للمشاركة في فيلم “فانية وتتبدد” لكونه ينتمي إلى الفكر نفسه الذي يقاتل من أجله فهو شخص مقاوم بلغة الصورة السينمائية لبث أفكار مناهضة للأفكار المتخلفة وهو ما شكل جسرا جميلا بيننا ساهم في تفاهمنا وتآلفنا خلال التصوير إضافة إلى الاحترام المتبادل.

ويقوم جحجاح بعد انتهاء التصوير بعمليات التسويق للفيلم من لوغو وإعلانات وبوسترات وبروشورات العرض الأول الذي سيكون بدار الأوبرا قريبا كما سيتم عرضه في أكثر من بلد أوروبي.

ويرفض الفنان جحجاح الفنية المغرقة البعيدة عن الواقع وخصوصا في هذه الأزمة..مشيرا إلى أن أنزور يقدم في فيلمه نصا واضحا وموقفا معلنا صريحا ليس فيه لون رمادي بل مزاج ايجابي وأشارات مهمة ترفض الفكر القائم على القتل والتعذيب وحرق الكتب والادعاءات الكاذبة.

وعن خطورة التصوير في الأماكن التي تشهد أحداثا قال نحن قلنا كلمتنا في الفيلم..والحالة الوطنية الفاعلة جعلتنا ننسى أننا في مكان ساخن ومخيف كداريا فالطاقة الإيجابية التي نحملها تبعد الدمار والأسى عنا .. موضحا أنها كانت تجربة جيدة وجميلة في فيلم يعتبر جسرا إلى الوعي القادم الذي نتمناه لهذا البلد اذ كل منا يبني ويجاهد بطريقته وجهادنا يبني الإنسان ويزرع الشجر داعيا مؤسسة السينما إلى الاشتغال على التجارب النوعية وليس الوثائقية والتوصيفية فقط.

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024