الخميس 2015-12-10 00:50:17 كــتب
من مكتبة الفضاء .. هل أصبح العالم بأكمله «في حضن الشيطان»..؟

لأن هاجسنا بات، البحث في كلِّ الأنفاس التي تعانقُ بهواها الوطن، ولدى كلّ من أعملَ فكره وقلمه حباً بهِ، ودفاعاً عن كلِّ شبرٍ ابتلى بما سيبقى نزيفه على مرِّ الحياة والزمن.

لأن هذا ما بات عليه هاجسنا، أبتْ سوريّتنا، إلا أن نلقي الاهتمام على كلِّ من عانقها وتنفّسها وكتبها، وبما يؤكِّده ما سمعناه منه أو قرأناه عنه، وإلى أن وجدنا وإياهُ حقيقته - حقيقتنا.‏

أما من بحثنا في فكره وقلمه، فالأديب والإعلامي «يعقوب مراد» المغترب الذي لم تمنعه إقامته في السويد، ولمدة خمسة وعشرين عاماً. لم تمنعه من الشعور بأن أنفاسه مازالت سورية، وبأن كتاباته أبداً لن تتخلى عن هواها، وبتوالي إطلالاته وتصريحاته وكتاباته الصحفية والإبداعية. الكتابات التي كان آخرها «في حضن الشيطان» الرواية التي أهدانا إياها إلكترونياً، والتي وعدنا بها ورقياً. وعدنا بذلك مثلما وعد سوريته، بألا ينطفئ لهيب عشقها الذي كان سبباً في تحرّيه عن الحقيقة التي بحث عنها إلى أن وجدها وأدرجها بالتفصيل في روايته.‏

إذاً «في حضن الشيطان» هي الرواية التي حمَّلها «مراد» جنون عشقه وخوفه على سورية. الرواية التي اختار منها ما نورده توقاً قرأنا منه على صفحته الإلكترونية.‏

«يا إلهي.. لماذا كلّما حاولت الاستنجاد بإنسانيتي، لا أجد إلا ذكرياتي في سورية»؟!.‏

إنه الشعور الذي امتلأت به صفحات روايةٍ، كان دافعهُ الأكبر لكتابتها، ما حمله في قلبه وعقله وروحه من هواجسٍ سببها، خوفه على بلده مما يجري فيه من مشاهدِ الذبح والقتل والتكفير المستوردة والغريبة عن مجتمعه المتسامح والمتعايش بكلِّ طوائفه.‏

نعم، إن هواجسه وخوفه هما من جعله يجوب أنحاء البحث والسؤال طلباً للحقيقة.. تلك التي سأل عنها كل من عرفهم أو تعرّف عليهم ومن سياسيين ودبلوماسيين. سياسيون كان أولهم، صديقه السويدي المخضرم «توماس.ك» الذي ردَّ عليه ذات إلحاحٍ منه لمعرفة حقيقة ما يجري في الوطن العربي عموماً وسورية خصوصاً. ردَّ عليه بعد أن أحضرَ صوراً لطائفةٍ يهودية متطرفة جداً تدعى «الفرومكا» ولها مبادئ ومعتقدات تقوم على تكفير وتحريم كل أنواع وأشكال التطور والإبداع الإنساني. ردَّ:‏

«فتّش عن اليهود.. فلو أجرينا مقارنةً بين الفكر الوهابي السلفي وبين فكرِ الفرومكا اليهودي، لوجدنا أنهما متشابهان تماماً، لا بل هما بالأصل واحد، والصهيونية هي التي أوجدت هذه المجموعات المسلّحة وموَّلتها ووضعت على رأسٍ كل مجموعة منها أميراً أشبه برئيسِ عصابةٍ، ينفّذ التعليمات ولا يناقش. هذه الجماعات هي التي تذبح وتقتل وتدمِّر وتنشرُ الخوف...»..‏

إنها الحقيقة الأولى التي استفزّت فضول «مراد» لمعرفة المزيد من صديقه الذي أحضر كمبيوتره وسأله: «هل تذكر نقاشنا حول اعترافات «برنارد هنري ليفي» الصهيوني الذي صرّح لتلفزيونٍ إسرائيلي، بأن إسرائيل بمخابراتها وجيشها، تقف وراء مايسمى بالربيع العربي. لقد تمَّ تفويض «ليفي» من قِبل مؤسسة أميركية تمَّ تأسيسها بعد أحداث 11 أيلول، يسيطر على رأس مالها اليهود، وهدفها تغيير الأنظمة العربية، لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، وبما يتلاءم مع مخططاتها المعتمدة على التجاوزات والمشاكل الاقتصادية والأمنية والسياسية التي غزاها الغربان طيلة نصف قرن، وتمّ إنشاء مطابخ لها في، تل أبيب، وبيروت، وواشنطن، وباريس ولندن والدوحة...الخ»..‏

هكذا بدأ «مراد» روايته. بدأ باحثاً عن الحقيقة، واعتماداً على صديقه الذي أكّد له، بأن الهدف من كل ماحصل في البلدان العربية، إخضاع الحكومات لقوة رأس المال، وإقامة الجمعيات السرية عبر الملوك والخيانة وجهل الشعب، وبمساعدة الولايات المتحدة الأميركية التي تقوم على أساس لاهوتي-وثني، تسمية ديمقراطية، وبأنها «تدّعي القوة وحقّ القوة باطل، وباطل القوة طاغٍ. تماماً كطغيان الحيتان التي تقوم بعدما تشيخ وتحتقن بالدمِ جراء ضحاياها، بالزحف إلى الشاطئ حيث ترطم نفسها حتى تتخلّص من الدم المحتقن، وتقتل نفسها».‏

كل ذلك لم يشبع نهم «يعقوب» لمعرفة حقيقة مايجري في بلدهُ سوريا، ولماذا هي تحديداً؟.‏

لاشكَّ أن هذا الإلحاح هو ما اضطر صديقه «توماس» لأخذه في رحلةِ بحثٍ عن الحقيقة. تلك التي كانت أولى محطاتها في اليونان. المحطة التي تفاجأ «يعقوب» عندما رأى إليزابيت السويدية فيها، ولأنه كان يعرفها ويرتبط بعلاقة صداقةٍ مع أهلها، فهو من نصحها وساعدها ذات بحثٍ لها عن عمل. ساعدها بالسفر إلى سورية لدراسة اللغة العربية.. اللغة التي ماأن انتهت من دراستها، حتى بدأت العمل كناشطة في مجال حقوق الإنسان. تجوب العالم وخصوصاً الشرق الأوسط، وتندّد بجرائم إسرائيل الوحشية.‏

كانت إليزابيت ضمن المجموعة التي عرَّف «توماس» صديقه «يعقوب عليها».. إنهم «الهاربون».. ممن التقاهم جميعاً في غرفة سرية ومنهم بالإضافة إلى إليزابيت، خبراء في الاقتصاد والقانون والسياسة، وزراء مال وعرابو صفقات أسلحة، وجنرالات عسكريون متقاعدون.. رجال دين ورجال جمارك وطيارون وجميعهم هاربون.‏

لكن، لماذا هم «هاربون» سؤالٌ لم يعرف «يعقوب» إجابته، إلا بعد أن أقسم لهم، ونزولاً عند طلبهم، بألا يبوح بسرِّهم..‏

إنها التسمية التي أطلقوها على جماعتهم بعد أن قرَّرت التمرد على واقع حياتها، وعلى بلدانها التي دمَّرت بلداناً وشعوباً.‏

ولكن لماذا يهربون؟.. وماذا يعرفون؟. هذا ماتساءل عنه، ليجيب بنفسه ولنفسه:‏

«حتماً، هم يعرفون أكثر مما يجب.. يعرفون الحقيقة التي أبحث عنها، والتي جئت إلى اليونان لمعرفتها. حقيقة مايحصل في سورية.. بلد الحياة والحب: الحب، لأنه الزورق العائم فوق أمواجٍ ثائرة وعواصف هائجة. الحب ليوصلنا إلى جزر الخيال السحرية التي يحلم بها كلّ كائنٍ حي».‏

هو فعلاً الحب. الحب الذي دفع عاشقاً هو «يعقوب مراد» للمغامرة عزماً والمخاطرة بحثاً، ومن أجل معرفة من المسؤول عن كلّ البشاعات التي أريدَ منها تشويه جمال وروعة وحضارة بلاده.‏

الحب الذي جاب لأجله دولاً وبلداناً، بانتظار التعرّف على»مريم» تلك التي قيل له بأنها الوحيدة التي بإمكانها إخباره بالحقيقة التي يرومها.‏

«مريم» التي سافر إلى ألمانيا ليلتقيها وبمساعدة أصدقائه «الهاربون» ممن أكدوا له بأن الحقيقة لديها. مريم التي كانت تقيم في ديرٍ أودعتها فيه إحدى الراهبات رأفةً ورحمة بحالها. هذه الراهبة هي من دلّته عليها طالبة منه إلا يقسو عليها أثناء سؤالها.‏

أخيراً، يلتقيها.. وحيدة، ومنعزلة وكئيبة ومهزومة وعليلة.. صامتة إلا أمامَ أسلوبه الذي تدفقت بعده كلماتها وكشابةٍ عراقيةٍ يتيمة.‏

إنها ممن استغلّهن الشيطان لنشرِ الموتِ والوباء في بلاده. لنقل الداء إلى شباب مجتمعه الذي تمزَّقت أوصاله.. أخبرته بأنها تابت، وبأنها ذهبت إلى الجهات المختصة واعترفت، وبعد أن أيقنت بأن ماحقنها به أعداء الحياة، سيدمر من لاذنب لهم ويدمِّرها. تماماً، كما دمّر أهلها الذين قتلهم أهل الشرِّ، إخضاعاً لها.‏

أخيراً، لابدَّ من الموت. الحقيقة الوحيدة التي كانت تتراءى لـ «مراد» دوماً، والتي جعلته يعود منهكاً، حزيناً، مذهولاً وغير مُصدِّق.. يعود وفي رأسه تداعيات الربيع العبري.‏

«الفوضى التي أحدثها وجعلت إسرائيل وحدها، تنعم في الأمن والأمان، وفي الوقت ذاته الذي يتواجد فيه عملاؤها، في قلبِ عالمٍ عربي أصبح واقعاً في حضن الشيطان، ويغرق في الجهل والفقر والقتل والدمار».‏

في النهاية، ومثلما بدأنا بنقل مانشرهُ «مراد» على صفحته حباً بسوريّته، ننهي بما نشره أيضاً واختصرَ فيه ما أراده من روايته:‏

«خمسة أعوام ونحن نصرخ في كل المحافل الدولية، أن ماتشهده البلاد العربية ليس ربيعاً عربياً، بل إرهاباً يجب مكافحته قبل أن ينتشر عالمياً، ولكن لم يصدقنا أحد.‏

عندما كتبت رواية «في حضن الشيطان» ونشرتها متسلسلة على موقع «سيريا ديلي نيوز» كانت مفاجأة للكثيرين، لما تحمله من معلومات حقيقية صادمة. أيضاً، كان هناك من يشكك بهذا الحجم من الحقيقة المرعبة، ومن كان يصدق في قرارة نفسه، كان يخشى الاعتراف بذلك، رغم أن العالم كله بات يشاهد كيف يغرق العالم العربي في حضن الشيطان..‏ 

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024