الجمعة 2015-11-06 22:34:36 رسامون
عبد السلام عبد الله في رحاب التشكيل الانطباعي .. لمعــــان وإشـراق ضوئـــــي

يتجه الفنان عبد السلام عبد الله في لوحاته لتجسيد مواضيع الطبيعة والزهور، ضمن رؤية فنية انطباعية تبرزإشراقة الضوء وبهجة اللون ورهافة العاطفة، في وضع اللمسات العازفة على أوتار المشاعر. فهو رسام طبيعة وأزهار ووجوه بامتياز، يرسم أجواء الفرح في الطبيعة،

ويلتقط بشكل دائم الألوان المحلية الحية والمشرقة في الهواء الطلق، ويعيد الاخضرار والحياة إلى الأشجار والأغصان. فتتواتر عناصر الطبيعة المكتنزة بالورود والزهور بعفوية مركزة، بعيدة كل البعد عن العشوائية والانفعالية الزائدة،‏

فاللمعة في البقعة أو في اللمسة اللونية العفوية (الضوء وإيقاع اللمسة المتحررة) تجعل المنظر الطبيعي مائجاً بالحركة، ونابضاً بالحيوية والخيال، حيث يضيف إليه عناصر من ذاته ومن مخيلته وخصوصيته الإبداعية، فهو يرسم وسط طبيعة جبلية مشرعة على الشمس الساطعة للوصول مجدداً إلى المدى المنتشي بفرح الورود والزهور والطراوة اللونية، التي تطل أكثر على الحياة من خلال ما تبرزه اللوحات من أوراق وأعشاب خضراء وحضور واضح لألوان الربيع، التي تفتح نوافذ الضوء على مساحات الفرح والطرب والإيقاع اللوني المتراقص أمام عين المشاهد.‏

ضربات متلاحقة ومتجاورة‏

وما هو لافت في لوحات عبد السلام تلك التقنية اللونية وحيويتها، التي تتسع للكثير من الطرب الإيقاعي، إذ لا يكتفي بوضع لمسته اللونية النظيفة، وإنما يميل بضرباته المتلاحقة والمتجاورة، فاللمسة اللونية الأنيقة والماهرة ترتكز على خبرة وحساسية في التعاطي مع المادة اللونية الزيتية، حيث يجيد تطويعها وينوع في إظهار درجاتها اللونية القزحية والإشعاعية التي تنفتح على الضوء المحلي الساطع.‏

ويبدو عبد السلام شديد الوعي في تصويره، رغم إيقاعاته اللونية العفوية الموحية بالأحاسيس الصادقة والغنية بالانفعالات، وما يؤكد عقلانية لوحاته أنه يؤسسها بخبرة وبعناية مركزة، لأن أساس اللوحة بالنسبة له هو الذي يحدد الفضاءات التي يركبها وأسلوبه في تحريك المادة اللونية بنظافة ولمعان واشراق ضوئي.‏‏ولوحاته تظهر مقدرته وحساسيته المرهفة في تجسيد المشهد الطبيعي بألوان انطباعية، تؤكد عشقه المتواصل للنور والوهج الشمسي المتتابع في فضائية المنظر الخلوي، الذي يتجلى من خلاله الاخضرار كبريق أمل بعودة الحياة للأرض اليباب، فكل لوحة يقدمها تؤكد رغبة الانفلات والخلاص من أجواء القتامة والحزن والأنوار الشاحبة، فالرسم هنا هو الرمز والسعي لإبراز اللمسة العفوية الباحثة عن سعادة مفقودة، حيث كل شيء يتحرك مع الغنائية اللونية المشحونة بالفرح، والتي تحمل معالم انفعاله اللوني الانطباعي.‏

وهو لا يؤسس لوحته على فكرة جمالية تقليدية، لكنه يسعى لتقنية لونية حديثة ترتكز على لمسات عفوية متتابعة ومتحررة من أفقية الامتداد اللوني الكلاسيكي الباردة.‏

هذه العفوية في المساحة هي التي تحرك فضاء اللوحة بحركات ريشة سريعة خاطفة، تنقل تبدلات الأضواء والألون على عناصر المشهد الطبيعي.‏

ثمة حركة تقنية واسعة إذاً.. تتأسس عليها رؤاه الانطباعية، التي تنفلت من الانتظام الهندسي والبناء المشهدي التقليدي، باتجاه توحيد أسلوبه في صياغة المادة اللونية بغنائية موحية بالحركة وغنية بالانفعالات، وبالتالي خارجة عن قيود اللوحة العادية الخاضعة لسلطة المشهد الواقعي، أو المشغولة بنمط فوتوغرافي.‏

فهو شاعر اللوحة الانطباعية بامتياز، شاعر الأمكنة الحميمية والفرح والانبهار اللوني والضوئي... وهو قبل ذلك رسام اللون المتحول مع الضوء ومع الذات ومع الزمن. إذ ثمة حركات ضوئية خاطفة نلاحظها في تصوير التدرج اللوني القزحي، تدرج ألوان المرتفع والوادي، تدرج ألوان الزهور والأشجار والأعشاب وحركة الغيوم. وفي إطار هذه الصياغة الفنية التي تهتم بالدرجة الأولى بتلك الحركة الضوئية المتحولة على الأشياء، يعمل على تصعيد جماليات الطبيعة من خلال التوليفات اللونية التي تصل إلى حد الإبهار، وتبحث عن أبعاد جمالية جديدة ومغايرة لحركة المنظر أو المشهد الطبيعي، وهذا ما نجده من خلال تطوير مستوى تقديم المنظر الطبيعي المائج بالحركة، وتطوير مستوى النقطة التي يجب من خلالها النظر إلى المشهد، والتي تبدو نقطة قريبة إذا قورنت بالنقاط التي اعتاد الفنانون النظر من خلالها في صياغاتهم لموضوع المنظر الطبيعي الخلوي.‏

وحين نتحدث عن تفاصيل الزهرة أو الورقة أو النسغ وما إلى ذلك في لوحات عبد السلام، يكون في حسابنا أنه في صياغة هذه التفاصيل، لا يقع مطلقاً في جمود الصياغة التقريرية المباشرة، وإنما يعالج الورقة أو الزهرة بضربة لونية واحدة أو بضربتين، محافظاً على عفوية اللمسة المتأصلة في تجربته الفنية منذ سنوات طويلة، وبالتالي فهو لا يقدم ثرثرة في تفاصيل الموضوع، ولا يقدم صوغاً لونياً بارداً، وإنما يعمل على أرضية لونية عفوية وغنائية، ويعالج الحقل على سبيل المثال بضربات لونية متتابعة ومتراقصة قريبة من الواقع، وبعيدة عنه في آن واحد، وبالتالي فأعماله تدخل في إطار الرؤية الفنية للوحة التشكيلية خارج دائرة التأنق الخارجي الاستهلاكي والتزييني.‏ 

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024