الثلاثاء 2015-10-20 19:15:52 أدبيات
سحر كاواباتا الفريد

تمنى ماركيز أن يكتب عملاً يشبه - أو يصل إلى مستوى - رواية (بيت الجميلات النائمات) للياباني ياسوناري كاواباتا, وبسبب من إدراكه لصعوبة كتابة رواية بهذه الجمالية المفرطة،‏تأخر كثيراً في محاولة تقليدها، تأخر ما يقارب الثلاثين عاماً ليجرب حظه في مقاربة روائية لم تفلح. كان جريئاً فعلاً، وكتب رواية تحاكي رواية كاواباتا، وجاءت تحت عنوان (ذاكرة غانياتي الحزينات)، إلا أنها لم تحقق هدف ماركيز المطلوب، وتعثرت في أن تصل فنياً ومضموناً إلى أي من أعماله هو، حتى إننا يمكن أن نقول إنها أقل أعمال ماركيز أهمية وإبداعاً.‏

نعم، لقد فشل ماركيز في تقليد كاواباتا، وفشل أيضاً في الخروج من سحر كاواباتا، ومن سحر إيغوشي، ومن سحر الجميلة النائمة.‏

(بيت الجميلات النائمات) حكاية شفافة وعميقة، حكاية منزل في إحدى ضواحي طوكيو، يقصده رجال كبار السن، ويدفعون مبالغ كبيرة للتمتع بالنوم إلى جانب فتيات جميلات عاريات يرقدن تحت تأثير مخدر. ولا يجوز للرجال مس أو إيقاظ أي من الفتيات. هو شكل نقي من المتعة لرجال مسنين، يعيد إليهم متعة الحلم عن زمن مضى، ويعيد إليهم ذكرياتهم التي سحقت بين أنياب الإهمال.‏

العجوز إيغوشي، بطل هذه الرواية، يدخل منزل الجميلات النائمات، ويستلقي بجانب إحداهن. وبعد وقت قصير يحس بموسيقا تتصاعد من جسد الفتاة، موسيقا مفعمة بالحب.‏

أتكون هذه هلوسة؟ ربما، أو ربما عثر على إحساسه بالعيش في هذه اللحظات، بعد أن فقده لزمن. آه لقد تذكر ما قاله له صديقه العجوز كيغا، وهو الذي حدثه عن هذا المنزل: «إن أناساً أمثاله لا يحسون بالعيش من جديد إلا في تلك اللحظات، حيث يجدون أنفسهم بالقرب من امرأة نائمة». نعم، كيغا الذي سبقه إلى زيارة هذا المنزل، أخبره بأنه كان يذهب إلى هناك كلما شعر بأن يأس الشيخوخة بات غير محتمل.‏

داهمت إيغوشي الذكريات، ذكريات حول حفيده الرضيع، وحول بناته الثلاث المتزوجات. تذكر أيضاً عشيقته غيشا، وحبيبته أثناء دراسته الجامعية وهربه معها إلى كيوتو، ومن ثم عثور أهلها عليهما وإعادتها إلى منزلها وتزويجها من رجل آخر.‏

ما الذي فتح باب الذكريات أمام هذا الإيغوشي المسكين؟ هل تكون هذه الجميلة النائمة، التي لا تشعر بوجوده، سبب كل هذا الطوفان من الذكريات؟‏

كاواباتا قصاص من الطراز الرفيع، وصاحب أسلوب بسيط وسلس، وكلماته منتقاة بدقة. يمتلك شفافية مذهلة في الحديث عن أشنع الأشياء أخطر الأمور. فمثلاً يموت العجوز فوكورا، ويتحدث عن موته بحزن غير مؤذ للنفس. وحين تموت الفتاة النائمة المخدرة بجانب إيغوشي، يهرع إلى مديرة المنزل ويخبرها بهلع، إلا أنها تسيطر على الوضع بهدوء، وتأخذ الفتاة خارج المنزل.‏

حتى الموت في الرواية، لا يزعج القارئ ولا يؤذي مشاعره، وكأنه شيء من أشياء الحياة الضرورية والطبيعية، إضافة إلى أن جمال وصف كواباتا لأجساد الفتيات وجمالهن، يجعل القارئ يهيم في تلك الفسحة من الجمال.‏

كاواباتا أحد الحكائيين العمالقة، وقد نال جائزة نوبل عام 1968، في العام نفسه الذي سمع به ماركيز وتعرف إلى أعماله، وعشق روايته المذهلة (بيت الجميلات النائمات).‏ 

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024