الإثنين 2015-05-18 01:47:21 نحاتون
النحات هشام المليح.. فنان يبحث عن حقيقة الإنسان عبر النحت

تملك الخامة الصلبة بين يدي النحات هشام المليح حساسية عالية فتغدو مادة مطواعة يشكل عبرها الفنان أشكاله الغرائبية أحيانا والتعبيرية في غيرها من الأعمال ويكسبها من روحه الناشدة للجمال في تفاصيل العمل النحتي.1

عن علاقته بالنحت يقول المليح في حديث لسانا.. ان هناك صلة وثيقة بيني وبين العمل النحتي وهي علاقة تبادلية بحتة فالفعل الناتج عن “طاقة الخامة” وردة الفعل التي يولدها تعاملي مع هذه الخامة يشكل حوارا بيني وبين العمل وهذا يوجد بداخلي كثيرا من الحالات يعكسها علي المحيط الخارجي.

ويضيف ان النحت على الحجر كان معتمدا لدى أغلب الحضارات القديمة لأنه يمتلك سمة الديمومة ولذلك وصلت إلينا تماثيلهم وأفكارهم وصور حيواتهم لذلك اعتمدت على الخامات الأكثر صلابة كالبرونز والرخام الإيطالي في أغلب أعمالي كما ألجأ في بعض الأحيان لخامات أخرى تعكس ما بداخلي من صلابة ورقة في آن وتحمل في ثنايا عروقها إحساسي.

وعن الدافع الأساسي للنحت يوضح المليح ان مشاعره الداخلية وهواجسه وقلقه تدعوه دائماً للبحث وتطوير الحالة الإبداعية لعمله النحتي عبر تفريغ الكثير من الشحنات والرواسب الاجتماعية وتجسيد مقاومته للمادية في الحياة والصخب والعنف الاجتماعي لتقديم موضوع فكري وحساس والذي يصنع صراعا ما بين الخامة وطبيعتها وبين الرغبات الروحية الشفافة لديه.

ويجذب المليح موضوع التوازن الفيزيائي القلق في الكتلة ويعمد إلى تقديمه بإخراج تجريدي مبسط السطوح وعبر فلسفة خاصة للموضوع وعن ذلك يقول.. أقوم بدراسة الكتلة دراسة فيزيائية رياضية منطقية لجمع المادتين العلمية والروحية بالاعتماد على رؤية بصرية مريحة وبعيدة عن الإرباك البصري المشوه.

يعتقد المليح في بعض الأحيان أن طرحه لمواضيع شخصية ضمن عمله النحتي هو نوع من الأنانية لدى الفنان ولكنه سرعان ما يكتشف ان ما قدمه هو انعكاس للواقع فالفنان برأيه يحمل في داخله عصارة مشاهداته الاجتماعية اليومية ليفرزها بالوقت المناسب مشيرا إلى ان الفن الى جانب انه حالة فردية فهو يعكس ما نعيشه وبالتالي فهو حالة توثيق أزلية للواقع.1

مازالت الأسئلة الفلسفية تشغل بال المليح في كل عمل نحتي يقدمه فهو يطرح كل مرة ذات الأسئلة ويبحث لها عن أجوبة مرضية له أولا وللمشاهد ثانيا وما بين الغيبيات والميتافيزيقيا وما بين الواقع والفنتازيا تتراوح أعماله المعبرة عن حالات روحية متعددة وتضعه في حوار مع الأزلية على حد تعبيره.

وحول تأثير الأزمة على عمله الفني يقول المليح..ان الأزمة أثرت سلبيا على حالته النفسية وجعلته في قلق دائم كما زاد عليه عدم استيعاب الواقع والفوضى مما جعله في حالة هستيرية وهذه المشاعر دفعته دائماً إلى تفريغ الطاقات السلبية والعودة للبحث عن ذاته عبر زيادة الإنتاج الفني وتقديم أعمال نحتية أكثر.

ويرى النحات الشاب ان واقع النحت السوري حاليا ليس على ما يرام بسبب عدم توفر الدعم اللازم له ووجود حالة من الفوضى تسيطر على ساحة التشكيل ويقول.. هناك تكرار بالمواضيع وإخراج صيغ الأعمال لدرجة يستحيل فيها معرفة ما يميز عمل نحات عن اخر كما أننا لا نلاحظ أي فكر جديد أو متمرد بالفن فالطالب يكرر أستاذه بعيداً عن أي رحابة في أفقه أو عن أي حالة إبداعية مبينا ان الأزمة أثرت بشكل مباشر على النحت السوري نتيجة سفر الكثير من النحاتين إلى الخارج.

ويعبر المليح عن عدم رضاه للآلية التي تدار فيها مديرية الفنون الجميلة بوزارة الثقافة خاصة ما يتعلق بالملتقيات النحتية ويرى ان هناك حالة من الإهمال للكثير من المواهب النحتية إلى جانب رواج مفهوم الشللية مبينا ان هناك حاجة ماسة لإعادة النظر بآلية العمل في مديرية الفنون الجميلة وتقديم المزيد من الدعم للنحاتين ورفع قيمة المكافات لتكون ضمن سوية مقبولة ومعقولة بالتوازي مع أسعار السوق الفنية.

وبخصوص أداء اتحاد الفنانين التشكيليين ووزارة الثقافة بما يخص النحت يرى المليح أنه رغم ما تقدمه هاتان الجهتان كمؤسستين معنيتين بالفن التشكيلي فإنه يبقى دعما محدودا حسب الإمكانات المتاحة لهما ولكن المطلوب أكبر بكثير والنحاتون خاصة بانتظار المزيد من الدعم والفعاليات والأنشطة لينتعش النحت السوري من جديد ويتطور مستقبلا وتتطور معه الحركة التشكيلية عامة.

النحات المليح الذي يعمل مدرسا للفن يعتبر ان عمله في التدريس قيده وأسره كفنان ولم يقدم له أي فائدة على الصعيد الفني انما هو مضطر للعمل في هذه المهنة لإعانته على مصاعب الحياة.

ويختم المليح حديثه بالتاكيد على ضرورة تحلي الإدارة الثقافية في سورية بمزيد من الشفافية والانفتاح على جميع الطاقات الفنية الشابة المليئة بالأفكار والحيوية والنشاط والقادرة على تطوير المحترف التشكيلي السوري وتقديم المبادرات الإبداعية الخلاقة ومتابعة مسيرة الرواد في حال توفرت لها الإمكانات اللازمة والدعم المناسب في إقامة الأنشطة والملتقيات والفعاليات والمعارض وعندها سيكون التفاؤل بمستقبل زاهر للحركة التشكيلية السورية هو السائد في صفوف الشباب من الفنانين والمتابعين.1

والنحات هشام المليح من مواليد عام 1983 خريج مركز وليد عزت عام 2005 ومركز أدهم اسماعيل عام 2007 وعضو اتحادي التشكيليين السوريين الفلسطينيين وله العديد من المعارض الجماعية والفردية داخل سورية وخارجها ومشاركات في ملتقيات نحتية محلية ويعمل مدرسا لمادة النحت في المركز التربوي للفنون الجميلة.

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024