الخميس 2015-05-14 01:36:53 موســيقا
الأغنية الوطنية ...وجــــه آخـــــر للتفاعـــــل مــــع الوجـــع الســــوري

الأغنية الوطنية، هي حالة خاصة من حالات الأغنية المتعددة والمختلفة، هي أغنية (تقدمية) بكل معنى الكلمة، لأنها تُشير إلى المستقبل، إلى ما نفعله، وما نحن عازمون على فعله.

و.. الأغنية الوطنية كما يراها الموسيقي السوري غزوان زركلي - في كتابه عن الموسيقا والموسيقيين - هي أغنية (إنسانية) يُمكن أن تتحدث عن شخص واحد، قد يُعبّر عن قضية شعب كامل، وأمم برمتها، هي أغنية كل الأغاني بكل اطيافها، وتدرجاتها السابقة الذكر، نرشف من لدنها مشاعر بالغة الخصوصية، وأحاسيس جماهيرية، ونأخذ منها ألواناً شعبية، وأشكالاً كلاسيكية على حدٍّ سواء.‏‏‏‏

وهنا نُشير إلى أن الأغنية الوطنية، كانت من المجالات الإبداعية التي استشعرت الخطر القادم، والداهم لسورية، و.. كانت السباقة في التفاعل مع المحنة السورية، فكان ثمة مجموعة من الأغاني واكبت الأحداث، بكل الوجع والتوق والشغف، حيناً بصيغة الحماسة، وطوراً بصيغة التنبيه والتحريض، و.. مرة بالالتفاف حول الجيش السوري صاحب السلطة الشرعية والوحيدة للدفاع عن سورية وأرضها، وإن اختلفنا حول تفاوت مستوى هذه الأغاني، لذلك، يؤكد زركلي على الموسيقيين العاملين في مجال الأغنية الوطنية، أن يحدثوا أولاً تطوراً في مجال الموسيقا التي تعيش حالة متردية، ويستعملوا منجزات هذا التطور بما يُناسب مع الشكل الفني الذي هم بصدده.‏‏‏

و.. بتقدير زركلي إذا كان الأدباء قد احدثوا سابقاً ثورة في النص، فإنّ الموسيقيين لم يواكبوا تماماً هذه الثورة. وإن كان السبق الأدبي مفهوماً، وقد يكون طبيعياً، إلا أن عدم وجود المؤشرات الكافية الدالة على مواكبة الموسيقا في يومنا هذا لذاك التطور، هو الأمر غير الطبيعي.‏‏‏

إذاً على الموسيقيين أن يأخذوا عبرةً - برأي زركلي - من الأدب الراقي، الذي يُعبّر عن دخيلة، جريئة، ولكن غير مبتذلة، حيث يتناسى ملحنو الأغاني الوطنية أن النص الشعري الجيد، يبقى جيداً، يستطيع أن يُلهب قلوب الملايين دون أن يُلحن، ويُغنى، وينسون أن الموسيقا لايمكن أن تقوم بدورها في توضيح الفكرة، وإيصالها إلى وجدان الناس دون ان يكون لها استقلالية - نسبية بطبيعة الحال - جمالية متفردة، معتمدة على قاعدة محلية، وأن الموسيقي لن يستطيع مهما بلغ من درجة الاحتراف الموسيقي الآلي، أن يُلحن الكلمة العربية دون أن يكون متعمقاً في جمالياتها، ومدركاً لخصائص نطقها من ناحية أخرى، فلا مجرد تقليد الموسيقا الاستهلاكية الأوروبية سينتج فناً متميزاً، ولا (تركيب) النص على الموسيقا سيعطي الكلمة حقها، ويبقي عليها قوة تعبيرها.‏‏‏

و.. الأغنية الوطنية تختلف عن النشيد الوطني - يضيف زركلي - فالنشيد هو أغنية حماسية ذات مضمون وطني تحريضي، وهو حالة خاصة من حالات الأغنية الوطنية، وقد تراجع النشيد شبه كامل عن الساحة الموسيقية، الأغنية الوطنية، هي شكل فني موجود أصلاً، والأغنية السياسية تنضوي تحت جناحه، وهي من جهة أخرى شكل فني نريد له الوجود، والحضور كخيار واعٍ لنوع من الأغاني يستطيع أن يكون بوتقة تدخل فيها أشكال الغناء ذات المضمون - النص الأدبي - الاجتماعي، والإنساني، لأنّ التركيز على هذين الموضوعين، هو الذي سيعطي الأغنية الوطنية القاعدة المتينة لإمكانية النجاح.‏‏‏

فليس المعنى الوطني للنص، هو الأمر الوحيد الذي يدل على (وطنية) الأغنية، ومن ثمّ على جودتها. وهناك من حسن الحظ من يأخذ بالحسبان أيضاً المعالجة الفنية للنص الأدبي. لكن القلة تلتفت إلى الموسيقا لتعطيها حقها من التحليل الذي يتعدى كونها صاخبة مثلاً، أو هادئة. القلة تدرك أن الموسيقا الجيدة يمكن أن تُغني المعنى الوطني، وتُعمّق المعالجة الأدبية، و.. إن الرديئة، تُفرّط بأعظم قضية، وتُسيء إلى أفضل نص.‏‏‏

اليوم، بتقدير زركلي، ثمة حاجة كبيرة إلى أغنية وطنية جديدة، تُعبّر عن واقع الناس، وطموحاتهم، وأحلامهم، من هنا لا نريد لهذه الأغنية أن تعتمد على استعمال الموسيقا التقليدية الدينية أو العاطفية في تلحين نص وطني، أو على الأغلب تركيب هذا النص على ألحانها، كما لانريد استعمال أغانٍ وطنية أجنبية مع إيجاد نص عربي لها مترجم، أو مخترع، بل إبداعاً أدبياً يكسر احتكار (أغاني الحب) الرائجة التي عبرت عن عاطفة ما، تبقى هذه العاطفة أحادية الجانب، مهمة الأغنية الوطنية اليوم تقع على كاهل الموسيقي، وكاتب النص، مسؤولية كبيرة في إنتاج أغنية وطنية مهيأة لتُشكل توازناً مع الأنواع الأخرى من الأغاني الرائجة، لاسيما، وأن الظروف مؤاتية اليوم لإنتاجها. و.. أكثر من أي وقت‏ آخر.‏‏‏ 

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024