الأربعاء 2014-08-13 15:38:23 بورتريه
أمهات جديرات بأوطانهن
د.خولة خلوف- باريس
لفاطمة، عاملة التنطيفات في مشفى في مدينة حماه، عينان عميقتان كليل دامس ، لها وجه دائري و مشرق كعباد الشمس ،و نصف ابتسامة دائمة لفم لا يتوقف عن المزاح و اضحاك كل من حوله و لها بدن ممتلئ تحشوه ببنطلون الجينز فتجسُّ طيات البطن الذي أنجب ستة أولاد ثم تقول بمرح لجارتها " كلو موي – [ماء]... هادا مو شحم. بكرة بتشوفي بس وقّف شرب المتة كيف رح يروح ".... تضحك أمي من قلبها و لا تعلّق.
توجّع ابنها الصغير فأخبرها الطبيب أنه يحتاج إلى جراحة عاجلة فاستقلت الباص صباح اليوم التالي متوجهةً إلى دمشق و بين محردة و حماه فتح مسلحون النار على حافلتهم فغطت فاطمة ابنها بجسدها و تلقت عنه رشقات الرصاص و قضت من فورها....
..................................................
ليكي ابنا صار ما أحلاه ، و طاب و الحمدلله ما ضلّ فيه شي". تقول أمي كأنها تعزّي نفسها....
.............................
في بذل الأمومة هذا سرُّ الطبيعة كاملاً غير منقوص ليس لأن الانجاب أو " التكاثر" يجّدد الدماء في عروق الطبيعة و يحفظ لها أبديتها فحسب بل لأن الموت على طريقة هذه الأم السوريّة هو ترجمة حرفية لطريق العبودية الواصل إلى ذروة الحرية.. تحررت فاطمة من جسدها بالموت كي يحيا صغيرها فيحكي قصص بسطاء ينسجون حقاً مستقبل هذا البلد الفريد المسمى: سوريا بينما يقوم " مركّبون" بتفكيك النسيج إلى عناصره الأولية..
كما ليس من باب الصدفة أن يسمي أهلُ تلك الضيعة بالذات الكونَ الواسعَ كقلوبهم : بالبسيطة.
لفاطمة نظائر في كل البقاع المنكوبة في سوريا و يقيني كامل بأن الخلاص غير ممكن دونهنّ
جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024