السبت 2012-05-19 20:02:07 مســرح
حكاية ميساء.. همسات وعدسة: زياد جيوسي
حكاية ميساء..همسات وعدسة: زياد جيوسي في ذلك الصباح من اليوم التالي لذكرى ما اصطلح على تسميته بالنكبة، كنت أجلس في مكتبي الوظيفي أنظر لشاشة التلفاز، أتابع ما يبث عن هذه الذكرى عبر الفضائية الفلسطينية، حين قفزت أمامي صورة الفنانة المسرحية ميساء الخطيب، والتي عرفت أيضا باسم سميرة الناطور، تتحدث عن (دور الفن في ترسيخ ذكرى النكبة في ذهن الجيل الجديد)، ابتسمت.. فمن لا يعرف ميساء لا يعرف كيف أن حياتها تروي الحكاية، بعض من حكاية شعب، فكل فرد من شعبنا له حكاية ومجمل هذه الحكايات تمث...ل ملحمة مستمرة. ميساء التي ولدت قبل نكسة حزيران بعدة سنوات، وصادفت يوم ولادتها الخامس من حزيران، وكأنها إشارة قدرية ستكون في حياتها، ولدت في غرفة من الصفيح، كما كل لاجئ فلسطيني، تعيش فيها الأم وستة من أطفالها، والأب مهاجر فوق الهجرة لتأمين لقمة الخبز لأسرته، ولدت ميساء في غرفة الصفيح الحارة صيفا والباردة شتاءً، وكل هم الأم في الشتاء أن تخوض معركة لتحمي أطفالها من البلل، معركة لدرء مياه المطر المتساقطة من ثقوب الصفيح التي تحجبها عن السماء، ولا تجد إلا علب (السمنة) الفارغة التي توزعها وكالة غوث اللاجئين. في هذا المخيم الذي تعرض لأشرس وأبشع مجزرة ومسح عن الأرض، في 13/7/1976، عاشت ميساء خمسة عشر عاما من فقر التشرد والجوع والألم واللجوء حتى وقوع المجزرة، لا يسد رمقها إلا وجبة (مجدرة) أو وجبة من الفاصوليا البيضاء المطبوخة مع لحم المعلبات المشبع بالدهون على الغداء في مطعم الوكالة، وحبة من (زيت السمك) في الصباح في المدرسة، لتقذفها المجزرة إلى هجرة جديدة لتدرس في ألمانيا، ولتبدأ من هناك مع مجموعة من الطلاب والطالبات تأسيس فرع لفرقة الأرض للدبكة التراثية التي كانت الفرقة الأم لها في لبنان. من ألمانيا إلى مخيم اليرموك والهجرة الثالثة لميساء، ومن هناك انطلقت للمشاركة لإعادة تأسيس فرقة الأرض، وشاركت في العديد من المهرجانات العربية والدولية، ولكن تأثير المخيم وما عاشته فيه، ترك ندوبا لا تزول من الروح، وشعرت أن المشاركة في فرق التراث لا تكفي للتعبير عن روحها، فاتجهت للمسرح وشاركت عام 1984 بأول عمل مسرحي، ويا للعبة القدر.. كان العمل عن مجازر صبرا وشاتيلا، ليليه عمل آخر يحمل اسم مسرحية (ليالي الغضب) عن معتقل أنصار، لتتوالى المشاركات بعد الانتقال للأردن، وتأسيس المسرح الشعبي هناك عام 1991، حتى عادت في رحلة العودة إلى فلسطين حيث عبق الوطن، وأعيد تأسيس المسرح الشعبي في الوطن بعد عودة عدد كبير من أعضاء المسرح للأرض التي اشتاقت لأبنائها. في الوطن شاركت ميساء في العديد من الأعمال المسرحية، منها: بحلم ببكره، قراقوش والموسيقى للأطفال، الخوف، الضوء الأسود، خطايا، الطائر الحزين للأطفال، وأعمال أخرى كثيرة، وشاركت في العديد من المسلسلات المتلفزة مثل: في المثل قالوا، الطيور المهاجرة، يانون، إضافة للمشاركة في (فيديو كليب) يا أمي لبيك، مع بداية انتفاضة الأقصى، ومسلسل إذاعي يحمل اسم ليالي الحصاد. ميساء تقول عن عملها في المسرح: المسرح هو رصاصتي الأولى والأخيرة التي أطلقها دائما على خشبته، وتقول أن وصيتها لزملائها حين تحين لحظة رحلة الرحيل: اجعلوا نعشي قطعة من خشب المسرح الذي أعشق.. هي حكاية ميساء انثالت في ذاكرتي وأنا أراها تتحدث عن النكبة في التلفاز، فلم تتمالك عدستي المتمردة نفسها وبدأت بالتقاط الصور من على الشاشة، وانهمر قلمي بحروفه ليكتب، فكانت: حكاية ميساء.
جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024