الثلاثاء 2012-05-15 16:34:22 مســرح
سعد الله ونوس: الحضور الأكثر تجذراً في الخشبة السورية بعد سني الغياب
لم ينظر المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس إلى خشبة المسرح كمكان لتقديم العروض فقط، أو ساحة للتواصل المباشر مع الجمهور عبر نصوص مكتوبة مسبقاً، بل كان المسرح بالنسبة إليه قضية حياتية إنسانية، يبحث في فضائه عن مكامن التأثير ويحاول إعادة خلقه في هيئات متنوعة ما جعله بالفعل من كبار رواد المسرح العربي وما جعل أعماله ونصوصه مدرسة قائمة بذاتها ومختلفة عما جاء قبله من أعمال.

في أسرة فقيرة في قرية حصين البحر بمحافظة طرطوس ولد ونوس عام 1941 وبقيت طفولته وظروفه المادية الصعبة مرتبطة بذهنه حتى أن المرحلة الابتدائية من دراسته كانت ذات أثر كبير عليه حيث شجعه أستاذه على القراءة بعد أن لاحظ ضعفاً في التعبير عنده فما كان منه إلا أن انكب على المطالعة بدءاً بكتاب دمعة وابتسامة لجبران خليل جبران ثم بمجموعة كبيرة من الكتب أوصلته لعشق المسرح.

لم تظهر اتجاهاته المسرحية باكراً ولم يتجه إلى دراسة المسرح فبعد أن أنهى المرحلة الثانوية حائزا المرتبة الأولى في القطر اوفد إلى القاهرة حيث درس الصحافة بكلية الآداب وبعد عودته عمل في مجال النشر في الصحف والمجلات السورية واللبنانية إلا أن المسرح حضر في كتاباته بداية من خلال أعمال مسرحية قصيرة صدرت له عن وزارة الثقافة عام 1965 بعنوان "حكايا جوقة التماثيل" ومن ثم اختص في المسرح وسافر إلى فرنسا ليطلع بشكل مباشر على المسرح الغربي ومدارسه وتجاربه التي تعلم فيها حرفة التغيير وخلق الجديد من الخشبة وبعودته إلى سورية بدأت مرحلة مسرحية جديدة في المسرح السوري كان هو رائدها.

زاوج ونوس في أعماله المسرحية منذ بداياتها بين المجتمع والنص فابتكر فكرة تسييس المسرح بدلاً من المسرح السياسي تلك الفكرة التي قدم من خلالها أعمالاً خالدةً وموءثرة في الجمهور السوري أبرزها حفلة سمر من أجل 5 حزيران 1968/الفيل يا ملك الزمان 1969 والملك هو الملك.

ولم تقتصر كتاباته على النص المسرحي بل عمل في مجال الدراسات والنقد فكتب بيانات لمسرح عربي جديد وهوامش ثقافية كما قام بترجمة أعمال جان فيلار إلى العربية وقدم شخصية مؤسس المسرح السوري أبو خليل القباني من خلال نص سهرة مع أبي خليل القباني ثم أسس مجلة الحياة المسرحية وساهم بإنشاء معهد لتدريس المسرح في سورية.

تطور عمله في نظرية تسييس المسرح حيث بدأت نصوصه تأخذ اتجاهاً أكثر جرأة وابتكارية فكانت مسرحية الملك هو الملك و رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة كما صدرت أعماله الكاملة عام 1996 في ثلاثة مجلدات عن دار الأهالي بدمشق وترجمت مسرحياته إلى عدة لغات كما نشرت وتم عرضها في كثير من الدول العربية والأوروبية وكرم في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ومهرجان قرطاج بتونس عام 1989 وحصل على جائزة سلطان العويس الثقافية في دورتها الأولى وفي عام 1995 كتب كلمة يوم المسرح العالمي التي عادة يقدمها في كل عام مؤلف مسرحي من أهم المسرحيين في العالم.

صارع ونوس المرض متمسكاً بامل البقاء فقال جملته الشهيرة "نحن محكومون بالأمل" إلا أن المرض تمكن منه في الخامس عشر من أيار عام 1997 بعد تجربة عظيمة في مجال المسرح لم يبتعد عنها حتى وهو في سرير مرضه وقبل رحيله بوقت قصير.

خلدت أعمال ونوس بعد وفاته سواء مطبوعة أو مقدمة على خشبات المسارح في العالم العربي فكانت "الأيام المخمورة" و"مغامرة رأس المملوك جابر" و"الفيل يا ملك الزمان" وغيرها بمثابة منبع ثقافي مسرحي يمكن تقديمها بأكف مسرحيين جدد يحاولون من خلالها ابتكار نظرياتهم وطقوسهم المسرحية وأساليبهم في التعامل مع الخشبة والممثل.
جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024