الخميس 2012-04-26 11:29:55 أدبيات
أمي .. لا تبك علي .. بل عليهم
بقلم المهندس: إبراهيم رمضان حسن
أمي لا بد أن ذاكرتك طرية حتى الآن بهديتي إليك في عيدك العام الماضي وأنا بين يديك الطاهرتين .. كانت ثوباً وباقة ورد حملّتُها ما استطعت من اعتراف بعطائك الذي لا يقدر بكل هدايا الكون ..
أما في عيدك لهذا العام ..
فأنني سآتي إليك عبر كل زهرة وضمة عطر .. في لون الياسمين المعرش على أسوار منازل دمشق,, وسترين لون جبهتي في رأس غابات النخيل فوق واحات تدمر ,, وقامتي وهي تحكيها أشجار الصنوبر في جبال اللاذقية ,, ولن يفوتك لون ابتسامتي على أغصان اللوز في سهول حمص,,, وقهقهة فرحي الرخية في حقول قطن الرقة والحسكة .. وراحتي وهي تجمع ذهب الشمس في حقول سنابل الجزيرة وحوران .. انظري إلى بساتين الزيتون في إدلب قد أودعتُ حباتها عيني وهي ترنوا لمحياك البهي .. وادخرت كل الكرامة والعزة التي شربتها من كأسك الصافي في قلعة حلب ..
انصتي لنواعير حماة وإلى تلك النسمة القادمة من كل الوديان هناك..
ستسمعين من ثغرها صوتي يكتب على صفحات فؤادك,,, أمام بصيرتك ,,,
عامك خير يا كل الخير ,,
وأخبرك خبراً فيه أعظم هدية ولكن لن ترقى لعظمتك...
أمي ... أبشري قد صارت لدي الأجوبة لكل الأسئلة التي أتعبتك ,,
عن الأطفال الذين غابوا من حدائق مدينتنا ,, والكثير من الجيران الذين ومنذ مدة لم يخرجوا إلى أعمالهم في كل صباح ويعودوا في المساء حاملين غلال تعبهم إلى دفء بيوتهم ,, وتلك الصبايا اللواتي اشتاقت الدروب لخطواتهن وهن مسرعات للقاء رفيق العمر ,, والأمهات اللاتي تعرشت أسئلة أطفالهن عنهن حتى وصلت دالية الغيوم ,, وكذلك تلك المقاعد الفارغة من شيوخ الحي التي كانوا يجلسون عليها ويسترجعون ذكريات ربيع العمر وثمر صيفه ,,
أمي لا تحزني ...
الجميع هنا ,, ومعي .. نراكم من مكان لا حر فيه ولا برد ولا يغيب القمر من ليله ,, والخريف لا يأتي أشجاره ولا جفاف الصيف يمس أنهاره وينابيعه ,, والعسل فيه ليس بحاجة للنحل يجمعه ,,,فالروض عندنا كله رحيق ,, وكل أهل المكان تخلصوا من إرهاق الحدود حتى غاب عن معرفتهم موقع السيف ومداد القلم ,, هنا تجري المحبة بلون بسيط لا كدر يصيب حوافه ولا يغيرها الوقت فهو ثابت ببياض قلبها ..
وكذلك لسنا وحدنا في هذا النعيم ,,, معنا قلب الشمس البارد ,, وأنس النجوم الرقيق .. وتحت أناملنا أوتار المجرات نعزف عليها ألحان أغانينا ,,
ورغم هذا كله يا أمي فقد كدر صفو عيشنا هذا..افتقادنا أولئك الذين تسببوا في غيابي عنك ,,,, وغياب جميع من تسألين عنهم .. كم سنكون سعداء عندما تحملين قلبك الكبير إليهم وتخبريهم عن حالنا لعلهم يغيرون اتجاه بنادقهم إلى صدور من يهدد حينا ,, قريتنا ,, مدينتنا ,, بلدنا ,, ووطننا حتى يلتحقوا بنا ,, انقلي لهم كل ما أخبرتك عنه.. أخبريهم عن فرحك العظيم عما أنا فيه ,, وعن حزنك الكبير بابتعادهم عنا ,,
قولي لهم أن حزني ليس على ولدي الذي كنتم طريقاً له إلى السماء ,,
بل عليكم لأنه كان ممراً لكم إلى الفناء ...
أكدي لهم ,, أن بكاءك عليهم ,,,وليس علي 


جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024