الإثنين 2012-03-26 20:46:13 أدبيات
هي..حمص ..
هي..حمص ..

كتب: إبراهيم رمضان حسن
كان القلب بين وطن ..وبين الوطن
مدينة سكنت كل مساحاتي,, لونتها بلون البحر وتركت عاتيات الأعاصير تتمزق على جدران سواعدي .. خوفاً عليها من عتمة الرياح وقسوة العواصف في مطرقة التحطيم ..
أخذتني شوارعها إلى أحياء الحنين وحارات الدفء .. هنا .. كان موعداً لانطفاء نار الانتظار بقطرات اللقاء.. وهناك .. كانت حكاية سكنت تلا فيف الفؤاد في هاتف يتحدث عن حلم,, بنغمة صوتٍ يزفها المكان أغنيةً,, في كل وقت ترتب الضجيج حولي,, كلماتٍ من شعر وقصائد من سماء ,, وحرير ابتسامات ,, غار من بياضها الأقحوان.. وتلك الضحكات ,, وذات الروية ,, كيف نحقق ثروة الآمال ..
تحت خيمة أمنها ,, أشعلنا في الخريف نوار الربيع ,, ومن اصفرار الحزن رفعنا الضوء ,, ومواكب النور إلى القادمات من الأيام ..
كان هذا هو العموم الساحر الجميل .. ,,,,
وبدون أدنى إنذار ,, صرت ألملم حدود المكان وحواف تلك الرياض ..
هناك من يريد اقتلاعها,, ويزرع الاحتراق في غاباتها ,, ويزهق روح الخضرة من الصدور ..
لم تعد أقدامي قادرة على تفقد آثارها بتلك الدروب ,,هناك من زرعها شوكاً وعوسج ماضٍ بدل حياة تمتلك لغة الحياة ..
هناك ,, وهناك,, فَقدٌ كبير ,, وألم ينمو بقوة أكبر كلما قُطع جذعه,, كشجرة الكينا العصية على الرحيل
هي ..حمص ..
معجزة الجغرافية .. قلب سوريا ,, وأطرافها .. تنوع مناخي .. من الرطب جداً وحتى الجاف جداً , وتنوع حيوي في الأرض والنبات والإنسان , تفاعل خصب يعطي لواقعها المعنى الصحيح للتجدد والاستمرار ,, هذا من الزاوية الافتراضية ,, ولكن لماذا لم يحدث هذا ,, بل ما حدث هو التفاعل السلبي الذي ينتج الآن واقعاً سمته الأساس هي إخراج الحياة من قلبها ,, هناك من أدرك قيمة هذه الجوهرة ورأى تلك الشجرة , فراح يعمل على تهديم أسوارها , ورميها بالحجارة لإسقاط الثمار من على أغصانها .
حمص ..
بعد أن كانت مدينة اليوم .. لا فرق فيها بين الليل والنهار .. صارت مدينة الوقت الواحد .. الفَاقد من وجهه القسمات ,, إلا الثغر واللسان الذي يستخدم نفس العبارة ,,وينقل نفس الأخبار ,, عندما تعود إلى المنزل ,,الحمد لله على السلامة ..وتسمع بمن تواجد في المكان الخطأ والوقت الخطأ ,, كيف عاد إلى أهله مقطع الأوصال ,, أو هناك من خرج وصمت هاتفه عن الرد أو خارج التغطية .. ولحظات توجس وترقب تعادل ألف موت لذويه وأهله ..
فيها لا تصمت المئذنة عن النداء .. استشهد أخوكم فلان ابن فلان .. ولا ترتاح طرقات المقابر من قوافل الشهداء
في حمص .. تجمد كل شيء إلا جريان الدماء ..
ولكن كيف هم أهل حمص ؟؟ ثمة من يسأل,,,
كلما تراكمت كتل الفقد والحزن فوق قلوبهم وأرواحهم .. ارتفعت قمم الوعي والشجاعة فوق أراضي عقولهم .. وازدادت وديان الإدراك عمقاً لما يجري.. ولماذا .. واعتلت الهمم صهوة الإرشاد والتوجيه,,, والنصح لمن غاب عنه الوعي ومن غرر به .. ,,,
لن أنسى ما حييت جواب أحد ذوي أربعة شهداء وصاروا الآن أكثر من عشرين شهيداً من عائلة واحدة وأنا أعزيه .. عندما قال لي ,, المهم أن يبقى البلد بخير ,, بهؤلاء وهم كثر سيعود القلب من سوريا ينبض بالحياة والمحبة والخير والجمال ,, ستعود حمص بأمثال هؤلاء إلى الحياة .. ستعود ,,


جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024