الأربعاء 2010-11-03 15:33:42 الفن التشكيلي
الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح

أحمد الصوفي
أن مسألة الفن هي بحث روحي داخلي في مكنونات الروح البشرية والطبيعة والأشياء "." من شاء معرفة طبيعة الإنسان الداخلية، في ظاهرها وتحولاتها، ومن شاء معرفته في ضوء المتغير من ظروف الحياة وقدرة الإنسان المتجددة في التعبير عن المعرفة.عبر علاقته مع نفسه والعالم الخارجي الذي يتفاعل معه. فقد أخذت الفنان طرقاللمعرفة. تنحوباتجاه المجهول والتقصي عن كل ما هو غامض، يدفع بعضهم حب المعرفة وبعضهم روح المغامرة والجرأة والشعور الحر في الإرادة الإنسانية، حيث يصعب تقييد تلك القدرات وتفاعلها في المعرفة والبحث او تقييد خيار الأفراد نحو المعرفة والمضي في الكشف عن كل ماهو خفي ومجهول .
.
إن روح الفن توّحد بين الروحي والحسّي حيث تبدو بصورة أكثر شفافية ، فالفن يحرر من أسر الظرف ألزماني والمكاني و الرسم هو تحول في الرؤيا لتصبح رؤيا مثالية، وتصبح ضوءا ولونا يتحرك في مساحة مادية متحررا من كل قيد ، تندفع باتجاه أرواحنا فتظهر جوهر حياتنا الداخلية. وجوهر تفتعلاتنا النفسية ورؤ يتنا للعالم ولأنفسنا وموقفنا من الحياة برمتها.
والفن أيضا هو مجموعه من الأشواق الدفينة في قلقه وسره وجلاله
وبرأيي أن الفن هو انعتاق ولحظة سكينة، وهو تجاوز للإرادة نحو الرؤيا، وتجاوز للرغبة نحو التأمل.
لذلك فأن الرؤية الجمالية هي تجاوز للطريق المألوف في النظر إلى الأشياء نحو طريق أعلى يقود إلى روح الكائنات والأشياء، طريق تأمل الجواهر الثابتة في الأشياء، حيث يتخلص الشيء الذي هو موضوع الإدراك الجمالي من كل علائقه فيملأ وحده وعي متأمله. لكن نهاية الفن هو تحرر ، وإنعتاق من الأشياء بمعانيها وقيمها الملموسة . و جمال بعض الأشياء يقوم على حقيقة الفكرة فتكون بالتالي كثيرة الأهمية وقوية التعبير."

الفن الحقيقي هو قدرة عالية من الذكاء بحيث يمكننا من اكتشاف الفكرة الكامنة خلف ما هوعادي ويومي وضمن التفاصيل المهملة أوالصغيرة في الحياة، فيلتقط الفنان المفاهيم الغائبة المشوشة ، ويوضح ما أرتبك أو تشوّش فيها. من خلال ما يقدّمه في لوحة أو تمثال أو قطعة موسيقية، وكما ويحاول أن يقول ما تحاول الطبيعة أن تقوله ويساعد الروح في بوح أشياء لم تستطع البوح به … " وبهذا فالفنان هو احد أهم عناصر الحالة الجمالية المغلفة بلبوس فلسفية منتمية لمدارس شتى صوفية واقعية أو غيرها، والعامل المهم في إبداع الفنان هو عامل الإلهام ، أي الإدراك المفاجئ المضيء في الذهن، والثقافة الضرورية لإعادة صياغة الأشياء والعناصر بطريقة جمالية ورؤية جديدة مبتكرة .
أن ما يقدمه لنا الفنان إنما هو صورة أو شكل، ومن هنا فان كل من يتذوق الفن إنما يدير بصره نحو تلك الجهة التي يدله عليها الفنان، لكي ينظر من النافذة التي أعدها له الفنان، محاولاً أن يعيد تكوين تلك الصورة في ذهنه".

إن جوهر الأشياء وروحها تتبدى بأفضل صورة بشرط ألا يكون الفن مجرد شكل غامض نخلعه على شيء بطريقة تقليدية، بل حضوراً إيجابياً فعالا أمام الروح والعقل. وحينما تكون بإزاء عمل فني نشعر إنه جميل، فإننا نجد أنفسنا بإزاء مرّكب واضح تتألف منه وحدة واضحة، أو بإزاء طابعين متمايزين من الشدة والفردية، نرى بوضوح أنهما ينتسبان إلى حقيقة لا مادية خالصة، وغير قابلة لأن توجد على نحو آخر غير هذا النحو الجميل السار. ولأن كان هذا الجمال واضحا ، خاطفا كالبرق، غير ملموس، شريدا لا موضوع له في عالم الواقع المادي، إلا أن من المؤكد مع ذلك أنه فردي مكتفي بذاته، فضلا عن أنه لا يمكن أن ينطفئ بالفعل أو أن يخمد تماما، وذلك لأنه وأن حل في الزمان، إلا أنه ينتسب إلى الأبدية. "
" إن الفن هو إدراك راقي حسي يتسامى إلى درجة النشوة، أو أن التذوق الجمالي، إنما هو في طبيعته كأي تلذذ آخر نتذوق بمقتضاه أي موضوع أخر في حياتنا، لأنه منهج في رؤيتنا للأشياء والعالم حولنا بكل تفاصيله وبطريقة تعاملنا مع الأشياء و الطبيعية، بحيث نتمكن من زيادة ألوان الإشباع التي تحققها لنا تلك الأشياء تلقائيا "
إن الفنان هو من يضع بين يدّي أكثر الناس إنسانية، ذلك المشهد الطبيعي الذي هم منه بمثابة جزء متكامل، وأن كانوا مع ذلك بعيدين كل البعد عن أن يروه … " ،

ويقول كاسيرر " أن الخبرة الجمالية مشحونة بالإمكانيات اللامتناهية التي تظل غير متحققة في مجال التجربة الحسية العادية. أما في العمل الفني، فان هذه الإمكانيات تستحيل إلى وقائع، إذ تخرج إلى عالم النور وتتخذ لنفسها أشكالاً محددة. وربما كان من بعض مزايا الفن، أن لم نقل من أعمق أثاره، أنه يكشف لنا عن بعض تلك الجوانب الخفية من الواقع، فيرينا من الأشياء ما لا عهد لنا به في التجربة الحسية العادية. "

أن الفن رمزاً مبدعاً، يعبر عن الوجدان البشري… وأن العمل الفني يمدنا بعاطفة جمالية… وأن للفنان القدرة العالية في التعبير عن هذه العاطفة الجمالية، التي تختلف عن أية عاطفة، وأن الجمال يتبدى في العمل الفني من خلال إمكاناته التعبيرية. و معيار الفن و قوته هو في أن يحضر التأمل، و يكشف عن الوجدان.

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024