منذ قصائده الأولى، برز عبد الباسط الصوفي شاعراً كبيراً، متألماً إلى حد الفزع من الحياة البليدة، إلى حد الموت، مع أنه هو نفسه يرى أن الفن يعيد لصاحبه التوازن،
ويجسر الهوة بين الفنان والجماعة، ومن ثم يعيد الفنان إلى المجتمع. كان هذا الشعر صادماً، كما كانت حياة عبد الباسط صادمة أيضاً لكل من عرفها.
غنى الصوفي للمرأة بحنين مميز طافح بالمرارة، وبالإضافة إلى شعره العاطفي، اشتهر شاعراً قومياً، يكتب للوطن والشعب والثورة العربية، ويظهر ذلك جلياً في قصيدة «مجد عدنان» حيث يقول:
عرب، وقل للحاقدين: تجمعوا
عرب برغم الزيف والعملاء
الحاقدون على العروبة عصبة
من خائن، ذئب، ومن لقطاء
وفي قصيدة «عربي أنت» يقول:
عربي أنت أرضاً وسما
فاملأ الدنيا لهيباً ودما
وانطلق للشمس من آفاقها
وامتط الريح وهات الأنجما
غنى الصوفي للثائرة جميلة بوحيرد، ونظم شعراً فائق الجمال ضد الاستعمار ووحشيته ونهمه لسلب الشعوب، وتجلى ذلك في قصيدته «رعاة البقر»، حيث يظهر جوني رسول الجريمة والعنف والحقد، ويقول فيها:
«جوني» رسول الزيف والفوضى، وقرصان البحارْ
في ليل «طوكيو» عربداتْ
وقمامة وتشنجاتْ
في ليل «باريس» مواخير، وأقبية، وعارْ
وبليل «برلين» يضيء على الخرائب والدمار
ولد عبد الباسط بن محمد أبي الخير الصوفي في سنة 1921 في حمص، وأنهى فيها تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي. بعدها عين مدرساً في إحدى قرى حمص، ثم معلماً للغة العربية. تابع تعليمه وانتسب إلى المعهد العالي للمعلمين، ونال إجازة في اللغة العربية.
بعد استقلال سورية، نضجت آفاقه، وبدأ الاطلاع على ثقافات العالم من خلال الترجمات، وفي الوقت نفسه تأثر بشدة بالتحولات التي عصفت بالأمة العربية وبسورية. ومنذ بداياته الشعرية الأولى، يظهر تأثره النفسي بالمحيط، وحدسه المبكر بموته، عبر مفردات القبر والموت والفناء واليأس. لقد دفعته خيانة الحبيبة وعدم الانسجام مع مجتمعه، إلى رؤية الحياة كتجربة عقابية ليست أكثر.
بدأ التدريس في مدارس دير الزور وحمص حتى بداية عام 1960، حيث أرسلته وزارة التربية في بعثة إلى غينيا لتدريس اللغة العربية. عاش في كوناكري، وهناك أصيب بانهيار عصبي، ما أدى إلى نقله إلى المشفى، فقضى منتحراً فيها في تموز من العام نفسه، ونقل جثمانه إلى حمص ليدفن فيها.
ربما لم تحتمل الحياة شاعراً مسرعاً بهذا الشكل، وربما هو لم يعد يحتمل بطء الحياة، فرحل مبكراً، وهو ابن التاسعة والثلاثين، بعد عدة محاولات انتحار.