منال محمد يوسف
تعرفُ ثقافتنا , تعرفُ كل حقلٍ زرعناه منذ زمنٍ , تعرف كل جرحٍ غائر فينا حتى وجع سوريتنا
تعرف منذ كنا نقرأ سُورة العشق
لبلادٍ خُلّدت باسمها
كنا نرتّلُ لها الضياء أو بعض الكلمات , ما زال رنين جرسها يرنُ في الذاكرة , ربما ذاكرة الأيام
التي نحنُّ لها و لكن هل تحنُّ لنا ؟!
ذات السؤال يستنطق أوجاعاً ما زالت منذ أول الخلق , أو ربما من أول زمن وُجد به الحرف , مازالت تسألُ بعفوية المحبة من نحن ؟
ما هي علائم الاستنارة حتى نسيرُ إليها و لا نخشى عثرات غير متوقعة الحدوث
الشمسُ تعرفنا
هكذا كنا نقول : الشمس دائماً تعرف إلينا المسير , و لكن هل كنا على صواب ؟ أم أن تلك الشمس أضاعت بعض الخيوط التي ننسج عليها ألفٍ من الأمنيات تبدو الآن باكيات علينا
الشمس تسألنا:
لماذا تراجيدية الظلام تأتي إلى حيث نحن ؟
إلى حيث كانت أُوغاريت الحرف الأول و تدمر الحضارة والكثير من المدن التي كانت مبنية في بلاد الشمسُ و على خارطتها
لماذا تتعدد الأسئلة و يبدو الجرح مبنياً على ألفٍ من الجراحات العظيمة , ربما بحكم وجعها المجرور إلى مدائنها ؟
الشمسُ تعرفنا و لكن أي شمس تلك التي نتحدث عنها و كأنها أوثق العُرى تجمعنا بها
و تقول : أن الإنسان هو الذي يهبُ الضوء لكل ما حوله
الشمسُ تعرفُ كل من تُشرق عليه و هو في حقلته أو مكان عمله , تعرفه بين قابي الوجودية الأولى و أدناها
تعرف من يستمسك بعروة الحرف الأول , بنبضه و يقينه
الشمسُ تعرف كل من يحمل حفنات التراب و يقدّرها بأغلى من كل الكنوز .
تعرف أحدهم الذي صادفناه
سألناه عن مدائن الشمس , بأي المفاتيح يجب أن تفتح بها
سألناه : فكان الجواب هو الحب
حبّ التراب و الكروم و حقول الزيتون , تلك خير المفاتيح
و خير الأبجديات , و خير الكلمات التي تتثاقل خطاها في المجيء إلينا
و لكن لا بد أن تأتي
من أجل كل ما صنعناه , و ما كتبناه في أحد الأزمنة عندما كان التراب هو السرّ , هو من أوحى لنا بالكتابة
و هو ما جعلنا شعراء نبجّل قصة الشمس و نكتبها على لُجين الوقت
الشمسُ تعرفنا ربما كانت قبل أن تُشرد خيوطها
و ترحل بعيداً ربما مع الأحبة و طيفهم المتواجد معنا
طيفهم يتماوج في الذاكرة كما هذه السنابل التي تذوي إلى آخر المراحل
و لكن يبقى العطاء هو ترميزها الأجمل في الذاكرة
الشمسُ تعرف كيف تخبّئ في جعبتها بعض ذكرياتنا
بعض الصور الغائبة الحاضرة
الشمسُ كانت ولم تزل تشهد على تواجدنا في حقلة الأيام , هذه الشمس التي تزورنا و نحن نحرث حقول وكروم ما زالت هي الأقرب إلى ذاكرتنا .
كانت الشمسُ تعرفنا و ما زلنا نعشق تلك الأيام و نتمنى أن تعود ذات يوم و لكن هل تأتي الرياح بتلك السُفن التي نتمناها
و هل تأتي الشموس إلينا بتلك الخيوط التي أضعناها ذات يوم
و يبقى السؤال : هل أضعنا حكاياتنا مع تلك الخيوط المنسوجة ؟
هل يبقى زرع الأيام و تأتي المواسم و لا يصبح زرع الحياة هشيماً أو هباءً منثوراً ؟
كل شيء يجوز الآن , حسب المنطق الشمس التي تعرفنا وتعرفهم
و تبقى للمعرفة عنوان واحد
عنوان يشبه الشمس و معرفتها التي سنبقى نعشق و ستبقى سوريتنا كما مدائن الشمس
نحن من نعرفها ونمتلك كل مفاتيحها
الشمسُ تعرفنا