“افسحوا المجال للمسرح” فقرة استعارها الفنان أيمن زيدان من كلمة “داريو فو” التي كتبها عام 2013 احتفالا بيوم المسرح العالمي مقدما لعرضه الجديد /اختطاف/ الذي أعده زيدان عن نص الكاتب والمخرج الإيطالي بالتعاون مع محمود الجعفوري ناقلا أبرز أعمال المسرح الغاضب من روما إلى موسم المسرح القومي برفقة ستة ممثلين شباب استطاعوا بإدارة المخرج المخضرم تحقيق بهجة استثنائية هذا العام لاحتفال المسرحيين السوريين بعيد المسرح العالمي.
العرض الذي أخرجه زيدان لصالح وزارة الثقافة “مديرية المسارح والموسيقا” أعاد ذكريات وأجواء حميمة ودافئة إلى صالة الحمراء التي شهدت منذ ستينات القرن الفائت وقوف أبرز نجوم الحركة الفنية السورية على خشبتها العريقة وذلك عبر عرض حار ومتصاعد في إيقاعه وحيويته التي ذهب فيها صاحب /سوبرماركت/ إلى تمرير رسائل جريئة للغاية على صعيد المضمون.
ويروي العرض الذي حضره وزير الثقافة محمد الأحمد حكاية محاولة اختطاف رجل الأعمال /أجيلي/ صاحب مصانع وشركات السيارات الإيطالي وكيف يتورط /أنطونيو/ العامل لديه في تهمة اختطافه بعد أن يقوم هذا الأخير بإنقاذه دون أن يعرف هويته وتغطيته بسترته ومن ثم فراره بعد تسليم رب عمله لفريق طبي من الصليب الأحمر حيث يقع لبس كبير بين كل من /أجيلي/ و/أنطونيو/ في المستشفى إذ يتعرف الأطباء والشرطة على المصاب بتشوهات كبيرة في جسده ووجهه من الأوراق الرسمية التي تعود إلى /أنطونيو/ ويتم إجراء عملية تجميل لوجه التاجر الكبير بناء على صور لأنطونيو.
مفارقات عديدة يسوقها العرض بعد ذلك ضمن قالب هزلي ساخر وظف أجزاء السيارة كمعادل للجسد البشري في إشارة واضحة لامتهان قيمة الإنسان وسرقة جهده وحقوقه وتحويله من كائن بشري إلى جسم صناعي خالص تتم عليه التجارب الطبية مثله مثل أي آلة تخضع لحسابات السوق ومضاربات العرض والطلب ليتكشف عبر ملابسات عملية الاختطاف زيف الطبقات البرجوازية الحاكمة للبنوك والشركات على حساب صفقاتها الفاسدة وطبيعة تغلغلها في حركة الاقتصاد الوطني.
هذه الموضوعات استطاع معد ومخرج /اختطاف/ أن يجلو عنها البيئة الأصلية للنص نحو إسقاطات ماهرة ومواربة ضمنها أداء عال لكل من لجين إسماعيل ولوريس قزق ونجاح مختار وتوليب حموده وأنطوان شهيد وخوشناف ظاظا حيث نجح هؤءلاء في تجسيد شخصيات طريفة وحاضرة في حركتها وإيماءاتها وقدراتها الصوتية والنفسية لنقل النص من طبيعته الخرساء إلى مشهدية ممتعة ودينامية ساندتهم في ذلك موسيقا الفنان سمير كويفاتي وإضاءة وبصريات الفنان أدهم سفر ليكون جمهور مسرح الحمراء هذه المرة أمام دهشة منقطعة النظير حققها الممثلون الستة في أدوار المحقق والطبيبة والزوجة والممرض والشرطي والتاجر والعامل.
شخصيات لم تهدأ طاقتها على مساحة الخشبة التي صمم لها الديكور الفنان علي فاضل مستعيناً بدوره بأجزاء من جسم السيارة عبر إطارات مطاطية لشاحنات وعربات صغيرة إضافة لتمثال نصفي على يسار الخشبة توسطتها شاشة عرض استخدمت كوصلة بين مستويين من الفرجة وصولاً إلى فضاء من اللعب بين الصالة والخشبة في آن معاً تبدت فيها أزياء الفنانة ريم شمالي التي قدمت بدورها مقترحاً ذكياً في مجال الزي اعتمدت فيه على النايلون والأقمشة المستقاة من عمال المصانع وأحياء الطبقات الفقيرة في روما.
يذكر أن العرض من إنتاج وزارة الثقافة /مديرية المسارح والموسيقا/ المسرح القومي وجاء افتتاحه في يوم المسرح العالمي الذي كتبت له الكلمة هذا العام الممثلة الفرنسية المعروفة إيزابيل هيوبرت وساعد في الإخراج الفنان خوشناف ظاظا والفنان حسن دوبا ونفذ الإضاءة عماد حنوش والصوت إياد عبد المجيد وصمم الإعلان هاني جبور ومكياج خولة الونوس ومدير منصة سمير أبو عساف.
وقال وزير الثقافة محمد الأحمد في تصريح للصحفيين “إن لدينا مشروعا مسرحيا واعيا وما تكاد مسرحية تنتهي إلا وتكون في مكانها مسرحية جديدة” مشيرا إلى أن المسرح يشهد عودة الفنانين الكبار واليوم لدينا مسرحية من إخراج الفنان أيمن زيدان وغدا سيكون معنا الفنان غسان مسعود في مسرحية جديدة وبالأمس كان الفنان زيناتي قدسية ومأمون الخطيب وجمال شقير وكثيرون.
ورأى الأحمد أن “المسرح يموت عندما تتوقف وزارة الثقافة عن إنتاجه” مشيرا إلى أن المسرح باق ولن نسمح بزواله وهو يشرع أبوابه في يوم المسرح وفي أي وقت آخر لكي يستقبل المواهب الجادة في سورية كي تتلاقح الأفكار وتقود إلى نهضة نطمح بها جميعا ونتمنى أن تتحقق فعلا مستحضرا “التجربة الإيطالية عندما خرجت إيطاليا من الحرب العالمية الثانية مدمرة ولم يكن هناك دور عرض أو استوديوهات وكانوا يصورون الأفلام في الشارع فسميت لاحقا الواقعية الإيطالية الجديدة ولم يقل أحد أن السينما ماتت أو هي في زوال”.
وقال وزير الثقافة “اليوم نشهد فورة مسرحية حقيقية ولدينا عروض في مختلف مسارحنا وفي جميع المحافظات إضافة إلى مشروع دعم مسرح الشباب الذي أطلقناه وبالتالي نحن نحاول ونعمل ونجتهد لكي نحافظ على مسرحنا ولكي نكمل مسيرة أبي خليل القباني الذي أسس المسرح في سورية”.
سامر اسماعيل