|
|
|
|
السكبة والارضة عادات شامية عتيقة |
أيام زمان كانت السكبة والأرضة (القرضة) جزءاً مألوفاً في حارتنا وعاداتنا الاجتماعية .. والعيرة ايضاً كان لها نصيب كبير في حياتنا الاجتماعية .. ومن أهم تلك العادات التي كانت رائجة في دمشق أيام زمان (السكبة ) وهي أن نقدم إلى جيراننا من طبختنا طبقاً، وأن نقبل بدورنا سكبة من طبختهم، وكانت العادة ألاَّ يُعيد أحد طبقاً فارغاً إلى أصحابه، وكانت السكبة لا تفرّق بين غنيٍّ وفقير، كان الفقير يسكبُ للغني، وكان الغنيُّ يفعل ذات الشيء، وكانت سكبة كل طبق حجمهُ، وبذلك كان يحدث نوع من التوازن في الحارة، كانت السكبة جزءاً من طريقة الأخذ والعطاء التي كانت سائدة، أو لعلها امتداد مُحرَّف لطريقة المُبادلة والمقايضة القديمة، وفي جميع الأحوال كانت تكريساً للتداخل بين الأسر وللتعاطف القائم بين الناس، وللحب وغالباً ما كانت السكبة تحصل عندما يكون الطعام المطبوخ متميزاً، مثلاً أكلة مثل (الحراق اصبعو) أو (الششبرك)،أو (فتة مكدوس ) .
كنا لا نخلط بين السكبة والمِنحة والأعطية، السكبة عُرف اجتماعي قائم بين الدمشقيين، بينما المنحة صدقة حتى ولو كانت طعاماً، ومثلها اللحم الذي كان يُوزّع على الفقراء بسبب نذر أو في عيد الأضحى، عندما كان ميسوري الحال يذبحون الأضاحي ويوزعونها على الأقارب والأصحاب والجيران. ولقد علمنا أهلنا أنّ لحم النذر لا يأكل منه صاحبه، بل يُوزّعهُ بالضرورة، وأنَّ لحمَ الأضاحي حلا أكله من قبل المُضحي. والقرضة (باللهجة المحكية الأرضة) هي الدَيْن، وكانت سائدة ومعمولاً بها في زماننا، كان المُحتاج يقترض من الميسور، وكان صاحب المال يعطي المال المطلوب دون اللجوء إلى كتابة ورقة أو كمبيالة.. وكانت الحكمة المُتداولة في نظام الإقراض أنّ (قرضة الله حسنة) وكان نظام القرضة يُخفف من ضغط الحياة المادية على المُحتاجين، وأحياناً كانت القرضة لا تُرد، وكان المُقرضون الذين يعرفون رقّة أحوال المُستقرضين يقولون" (قرضة الله حسنة، حسبنا أننا فرَّجنا همهم) على أنَّ الإقراض لم يكن باهظاً، كان الرجل يطلب قرضة من آخر بسبب دفعة طارئة، وكانت المرأة تقترض من جارتها ثمن حليب اشترتهُ من الحلاّب، وغالباً ما ترد المرأة ما اقترضته عندما يعود رجلها (بعلها) من عمله، وكانت المقرضة تأبى وتقول:"ما في شي محرز" وكانت الأخرى تُصرّ:" الحق حق... فوق ما لبكناكي"... فإذا اصرّت على الرفض قالت المُستقرضة:" معناتو ما بدك ياتي أخد منك مرة تانية"، وكان هذا يكفي للاذعان. الإعارة والاستعارة، كانت تعني أن لا شيء في بيتنا يخصنا وحدنا، وأنّ للجيران نصيباً فيه، ولا شيء في البيوت الأخرى يخصهم وحدهم، كم من مرة أرسلنا أهلنا لنستعير من بيت الجيران قدراً أو سطلاً أو سًلّماً أو طشت غسيل أو حتى نكاشة بابور، وكم من مرة طرق بابنا ليستعيروا أداةً من أدواتنا، كانت الإعارة تشمل كل ما يملكهُ الناس في بيوتهم، وكانت النسوة في الحارة يعرنَ ويستعرنَ الثياب، سيدة مدعوة إلى عرس، وليس في طاقتها أن تُفصّل وتُخيط ثوباً، كان من السهل عليها أن تلجأ إلى احدى جاراتها وتستعير ثوباً يصلح للمناسبة، أحياناً كانت الاستعارة تطال الأشياء الثمينة حتى، كانت احدى النساء تطمح إلى تزيين جيدها بطوق أو أي عقد رأته على عنقِ جارتها، وبكل بساطة كانت تطلبه، وكان هناك مثل شعبي يتهكّم على هذه العادة فيُقال (التوب العيرة ما بيدفي... وان دفا ما بيوفّي أو ما بيدوم) أحياناً كان الرجال أيام زمان، يُعيرن ويستعيرون الثياب، ولكن على نطاق أقل، وكانت هناك فكاهة يتداولها البعض: أنَّ رجل أعار رجلاً آخر كل شيء من الطربوش للبابوج، ولما خرجا من المُناسبة التي حضراها معاً كانت المطر تسقط والطريق مملوءة بطابوسات الماء، فراح صاحبنا المُتسعير يمشي بحذر خوفاً على الثياب، غير أنَّ المُعير راح يصرخ فيه: (طبِّس.. طبِّس ولا يهمّك) وكانت هذه إشارة إلى أنه صاحب الثياب. العيرة والسكبة والقرضة، ثلاث حالات، ولدنا.. نشأنا.. وشبنا ونحن نتعلم كيف نُمارسها في دمشق، كانت طريقة من طرائق حياتنا أيام زمان، وكان منبوذاً منا من لا يعمل بها، أي من يتأخر عن إعارة ما بحوزتهِ إلى جارهِ أو يُمسك مالاً طلبهُ أخٌ أو جار قرضة حسنة يردها عندما تتحسن أحواله، أو من يتلذذ بطعامهِ وحده، ولا يسكب منه، ويُغلق بابه في وجهِ سكبة اشتهاها له جار.. هل من الممكن أن يعود بنا الزمان الى تلك العادات ؟؟؟؟ قول يا زمان أرجع يا زمان .
|
رباب عبد الرحيم سواس -syriandays |
|
الثلاثاء 2014-07-01 | 10:01:17 |
|
|
|
|
|
|
|