صدر للشاعر اللبناني جوزف حرب ديوان بعنوان "أجمل ما في الأرض أن أبقى عليها" 500 صفحة من إصدار دار رياض الريس للنشر والتوزيع ويظهر فيه حرب كما في كل أعماله السابقة شاعراً عميقاً ومفكراً واسع الإطلاع شمولّي الفكر ومبدعاً خلاّقاً لنص الصورة الشعرية.
يتناول الكتاب عبر نصوصه الشعرية المتنوعة جملة من المواضيع الفكرية والفلسفية العالية وكماً وفيراً من اللمحات الوجودية والوجدانية العميقة متجاوزا في هذا التناول على الصعيدين الفكري والفني كل ما سبق وأنجزه من المؤلفات الإبداعية.
في المقطع الثامن والعشرين من دواة السنونو نقرأ ..التقمّص ..من عقائد الشمع..وفي المقطع السابع والثلاثين منه نقع على صورة تقول ..الموج ..رسائل ملفوفة زرقاء..يحملها الهواء..ساعي البريد.. ويفتحها الشاطئ ..ورقاً أبيض.
ويتفرد الشاعر في هذا الديوان بالإفصاح عن كشف شعري يظلّ بمنأى عن متناول غيره من الشعراء وهو ما يظهر جلياً في جميع نصوص "أجمل ما في الأرض أن أبقى عليها" كقصائد قميص.. صديق.. كتابة..خبز..خط كوفيّ..قائد..شراع.. وغيرها الكثير.
يقول النص القصير المعنون بـ قميص..أجمل تصبحين يا أبواب..حين ترتدين..قميص ياسمين.
كما يحقق حرب في هذا الديوان معادلة لغوية صعبة تجمع التكثيف والبساطة في النص الشعري بما يوفر وضوحاً وسلاسة لا يحجبان بحالٍ من الأحوال عمق الفكرة المطروحة أو بلاغة التعبير عن حالة شعورية مبهمة.
تعِبٌ هذا الدمع الواقف في أعماقي.. كم صعبٌ أن يصعد منّي الدمعُ..إلى عينيه..يا لحنُ..ناي الريح المصغي فيّ الحزنُ إليه..هل من مقعد جفنٍ.. أُجلِس هذا الدمع عليه.
وتظهر براعة الشاعر الفنية في بناء الصورة الشعرية بمختلف أنواعها وأشكال ورودها في النص سواء استحوذت عليه أو ظهرت كصورة جزئية تعاضده.
في نص حياة يرسم حرب الصورة الكلّية على النحو التالي..الليلُ عندي قهوتي..والغيمة البيضاء سكّرتي..وبحيرة زرقاء منفضتي.. والأرض طاولتي.. والشمس مصباح عليها البحر أوراقي ..وكرسيّ الجبال..وريشتي روح الشمال..وزرقة الآفاق محبرتي ..والكون مكتبتي.
أما ظاهرياً فيقسم الشاعر كتابه لثلاثة أقسام عبر عناوين فرعية هي "عربتي خضراء.. حصانها أزرق" "كتاب البحيرة" "دواة السنونو" وينفرد هذا الجزء باحتوائه كماً متنوعاً من النصوص التأملية القصيرة كما يشكل كل من تلك العناوين محوراً فنياً و فكرياً عريضاً يؤلّف بينها.
من نصوص "كتاب البحيرة" نطالع جملة من العناوين أو المفاتيح وفق تسمية الشاعر اللغة..القتيل..أجمل الشعر..الغياب والحضور..حلم..النرجس الكئيب.. وغيرها الكثير.
ويخصص حرب عدداً من القصائد لشعراء غابوا زمانياً ولما ينتهي حضورهم و يعنونها بأسمائهم كنصوص بورخس..المتنبي..إلى إليوت..الماغوط.. إلى جبران ويبرّر الشاعر هذا الاستحضار الشعري لهم في نصوصه عبر قصيدة يقول فيها.. لا يحيي ميتاً من شعراء الأمس ..سوى الشعراء الأحياء.. لارائع في شعرك ..إن لم تكتشف السر الكامن خلف الرائع في شعر الشعراء الأموات.
يذكر أن جوزف حرب من أهم رواد التجديد في الشعر العربي منذ السبعينيات طوّر في بنية القصيدة العربية سواء المكتوبة منها باللغة الفصحى أو المحكية اللبنانية له عدة مؤلفات إبداعية شعرية منها ملحمة شجرة الأكاسيا..مملكة الخبز والورد..المحبرة..السيدة البيضاء في شهوتها الكحلية.. وفي اللهجة المحكية مقص الحبر..طالع ع بالي فل.. زرتك قصب فلّيت ناي.
